ترون في هذه الآيات ذكر طائفة خاصّة، وسمّي فيها بعض الذين بعثهم الله لهداية الناس، وفوّض إليهم أمر إصلاح المجتمع: فهم الشّفاء لمرضى القلوب، وبهم البرء لسقام النفوس، وهم هداة الغاوين، الآخذون على أيدي الطغاة، والمرشدون لأهل البغي، والناهون عن المنكرات، وهم الطائفة المقدّسة التي عمّ هديها، وجاد غيثها جميع أنحاء المعمورة، فاستضاء الناس كلّهم بنور هؤلاء الرسل في مختلف الأزمنة وشتّى العصور.
وإنّ الذي نراه في الأمم من الخير والصلاح، وكرم الخلق، وحسن العمل، وطهارة السيرة، وعلوّ النفس، وزكاء الرّوح، ونزاهة القلب، إنّما هو قطرة من بحر تعاليم الأنبياء عليهم السلام، ولمحة من جمال شرائعهم، وأثارة من بركات سيرتهم. وإنّ الإنسانية القلقة المتألمة لا تزال تفتقد آثارهم، وتحرص على اتباع سننهم، ليذهب بذلك روعها، ويطمئنّ قلبها، فتقر الحياة الاجتماعية، وتجد بعض راحتها. ولو أنّ الناس اتبعوا سنن الأنبياء، واستقاموا على الطريق الذي دلوهم عليه؛ لساد الوئام بين الأمم، وعمّ السلام في العالمين.
لقد كان الأنبياء جميعا على خلق عظيم، وقد أوتوا من حميد الخصال، ومعالي الأخلاق ما لم يؤت أحد غيرهم مثله. غير أنّ منهم من تجلّى فيه خلق من الأخلاق، فكان فيه أبرز من غيره وأظهر، فنبيّ الله نوح كان متحمسا في تبليغ الدّين، وإبراهيم كان شديد العناية بأمر التوحيد، وورثه في ذلك إسحاق، وحبب الإيثار إلى إسماعيل، وجاهد موسى جهادا عظيما، وآزره في الحق أخوه هارون، وظهرت الإنابة والاعتراف بالخطأ في يونس، وكان لوط مجاهدا، وغلب على يعقوب التسليم والرضا بأمر الله، وكان داود يرثي للحقّ وخذلانه، وامتلأ قلب سليمان بالحكمة، وكان زكريا متعبدا، وتجلّى في يحيى العفاف، وطهارة النفس، أما عيسى فكان مظهر الزّهد في الدّنيا والرّغبة عن زهرتها، وكان أيوب صبورا على الآلام. وهذه الخصال العالية والأخلاق الفاضلة هي التي يتشرّف بها العالم، وتسعى الأمم للتحلّي بها، وحيثما وجدتم من هذه الخصال