للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحميدة والفضائل النبيلة أثرا؛ فكونوا على يقين بأنها من نفثات أولئك الأنبياء، ومن آثار تعليمهم.

إنّ تقدّم المدنيّة الصّالحة، وتوفير عوامل الهناء والرّغد للنّاس، وبلوغ الإنسانية مقام الشّرف، قد ساهمت فيه جميع الطوائف التي اشتركت في عمارة العالم: فعلماء الهيئة اكتشفوا للناس نظام سير الكواكب، والحكماء دلّوا على خواص الأعمال وتأثيرها في الأخلاق، ووصف الأطباء النّطاسيّون خواص العقاقير وتأثير الأدوية في الأدواء، وتفنّن المهندسون في تشييد المباني ومرافقها، وإقامة القصور ومعالمها، وعقدوا على الأنهار القناطر والجسور، واتّسع أهل الصناعات في تنويعها، وإتقانها، وتيسير الأعمال للعمال، فكان من مجموع هذه الجهود عمارة الأرض، ولكلّ فريق من أصحاب هذه الجهود يد في اكتمال المدنية، وتقدّم الحضارة، ونحن نذكر لهم ذلك بالثناء والشكر، غير أننا لا نستطيع أن ننسى أنّ أنبياء الله وحملة رسالاته هم الذين غمرونا بالمنن العظمى؛ لأنّهم عملوا لإصلاح فساد القلوب، واستئصال كوامن الشرور، وتطهير النفوس، وتزكيتها من الأهواء الفاسدة، والأطماع السافلة، والميول المهلكة، فنهجوا بذلك منهج السعادة للحياة الاجتماعية، وبيّنوا للناس ما تعلو به نفوسهم، وما تسفل به، وما تكون به شريفة أو منحطة، فكملت الثقافة الإنسانية برسالاتهم، وبلغت الحضارة بذلك مبلغ الكمال، وتيسّر للمجتمع البشري أن يكون صالحا إذا شاء، وقد أصبح من المتعارف عند الناس أنّ الأخلاق الفاضلة، والسيرة الطاهرة هي شرف الإنسانية ومجدها، ومكارم الأخلاق، ومحاسن العوائد أصل الإنسانية وجوهرها.

وبتعاليم الأنبياء توثّقت العلاقة بين الخلق وخالقه، وحسنت الرابطة بين العبد ومولاه، فتذكّر الإنسان عهده الأزليّ الذي أخذه على نفسه لربه، ولولا الأنبياء، وتعاليمهم، وتجليتهم أسرار النفوس، وكشفهم عن غرائز الفطرة الإنسانية، وما يسعد به المرء أو يشقى؛ لم تبلغ الإنسانية ما بلغته، ولذلك كانت الإنسانية مثقلة بمنن الرسل سلام الله عليهم، فإنّ لهم علينا من الأيادي البيضاء ما لا كفاء له. ومن عرف هذا عرف معه ما يجب لأنبياء

<<  <   >  >>