الهادي الأعظم هو آخر الهداة، وخاتم النبيين الذي لم يرسل بعده رسول، ولن يرسل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب: ٤٥- ٤٦] .
إنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم شهد في هذا العالم تعليم الله وهدايته، وبشّر الصّالحين بالنجاح والفلاح، فهو مبشر. وقد نادى الغافلين، وأسمع الصمّ، وحذر المذنبين عاقبة ذنوبهم، وأنذر المشرفين على الهلاك، وأيقظ النائمين، فهو منذر. وقد دعا إلى الله من ضلّ عن سبيله، فهو داع. وإن هو إلا نور يستضاء به إلى يوم القيامة، ونبراس يستنار بأشعته في شعاب الحياة الملتوية، فتنكشف به الظّلمات المتراكمة، فهو السّراج المنير إلى الأبد.
نعم إنّ جميع الأنبياء كانوا شهداء، ودعاة، ومبشرين، ومنذرين، بيد أنّ هذه الصفات لم تكن سواسية في جميع الرّسل، بل كان بعضها في بعضهم أظهر من أخواتها، فكان يعقوب، وإسحاق، وإسماعيل عليهم السلام قد غلبت عليهم صفة الشهادة وكانوا شهداء الحقّ، وغلبت على إبراهيم، وعيسى صفة التبشير، فكانا مبشّرين. ومن الأنبياء من غلب عليه وصف الإنذار لمن خالف الحقّ وجحده، فكانوا منذرين، كنوح، وموسى، وهود، وشعيب. ومنهم من غلب عليه صفة الدّعوة إلى الحق، وامتاز بها أكثر ممّا امتاز بسائر النعوت الآخرى، كيوسف، ويونس عليهم الصلاة والسلام جميعا. وأما من كان جامعا لهذه الصفات كلّها، واتصف بها جميعا، فكان مبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، وكانت حياته ملأى بهذه النعوت، والشؤون، وسيرته ممتازة بهذه الخصال والخلال؛ فهو النبيّ الجامع محمد صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه بعث ليختم الله به النبيين والنبوّات، فأعطي الرسالة الأخيرة ليبلغها إلى البشر كافّة، فجاء بالشريعة الكاملة؛ التي لا يحتاج البشر معها إلى غيرها، ولم تنزل من السماء إلى الأرض شريعة على قلب بشر بعد هذه الشريعة. لقد حظيت التعاليم المحمدية بالخلود، واختصّت بالبقاء والدوام إلى يوم القيامة، فكانت نفس محمد صلّى الله عليه وسلم جامعة لجميع الأخلاق العالية، والعادات السنيّة، وقد بعث ليتمّم مكارم الأخلاق.