العمر عتيّا، وأرعشه الكبر، فجاءه الموت وهو على ربوة، وقد اختتم سفر التثنية بهذه الفقرات:
«إنّ عبد الله موسى مات بإذن الله في أرض موآب، ودفنه الله في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم.
وكان موسى ابن عشرين ومئة سنة حين جاءه الموت ... ولم يقم بعد نبيّ في إسرائيل مثل موسى» «١» .
هذه الفقرات نقلناها من سفر التثنية وهو السّفر الخامس من التوراة الموحى إلى موسى عليه السلام، ولا يخفى على ناظر هذا السفر أنّ الكلمات التي نقلناها لم ينطق بها موسى عليه السلام، وهذا يدلّ على أنّ هذا السفر كلّه، أو جزءه الأخير على الأقل، ليس لموسى، وأنّ الدّنيا تجهل كاتب هذه السيرة لموسى.
ومما يلفت نظر القارئ قول القائل في هذا السفر «ولم يعرف إنسان قبره (أي قبر موسى عليه السلام) إلى اليوم» وقوله «لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى» . إنّ هاتين الفقرتين تدلان على أنّ هذا الجزء الأخير من سيرة موسى عليه السلام قد أضيفت إلى كتاب حياته بعد أيام طويلة ذهبت فيها يد الدهر باثار هذا المزار العظيم والمشهد الكبير حتى عمي محلّه عن الأجيال التالية، ونسوه، بل أضيف هذا الجزء من سيرة موسى إلى سفر التثنية بعد زمان طويل كان يرجى فيه أن يقوم في إسرائيل نبيّ يسدّ فراغ موسى، فنوّه كاتب السفر بأنه لم يقم بعد مثله.
إنّ موسى عليه السلام عمّر طويلا، وقد نسأ الله من أجله حتى عاش عشرين ومئة سنة، فما الذي نعرفه عن حياته الطويلة، وبأي الأعمال شغل فراغ حياته المباركة، وما هي النواحي التي نعلمها واضحة مفصّلة من سيرته الحافلة بكثير ممّا كان ينبغي أن يعلم؛ لتحسن به الأسوة؟ إننا لا نعلم إلا مولده، وشبابه، وهجرته، وزواجه، وبعثته، ثم قتاله المشركين إلى