والفحص، فلم يجدوا الصفحات المفقودة عن حياة نبيهم. وقد استفرغ العلامة رينان «١» جهده، ولقي من العناء والنصب مبلغا عظيما ليقف على حياة عيسى كاملة تامّة، ومع ذلك فإنّ شؤون عيسى عليه السلام وأحواله لا تزال سرا مكنونا في ضمير الزّمن لم يبح به لسانه بعد.
إنّ عيسى عليه السلام عاش في هذه الدنيا ثلاثا وثلاثين سنة كما يروي الإنجيل، والأناجيل الموجودة في الأيدي- على ما في رواياتها من ضعف ولبس- مقصورة على ذكر أحواله لمدة ثلاث سنوات من أواخر حياته وحسب، فنحن لا نعلم عن حياته علم اليقين إلا أنّه ولد، وجيء به إلى مصر، وأراه الله آية أو آيتين في صباه، ثم غاب عن الناس، وظهر لهم وهو في الثلاثين من عمره، فنراه قائما يعظ الملّاحين، وصيادي السّمك على الشواطىء، وفي بعض الرّبوات، فصحبه جماعة من حوارييه، وقد جادل اليهود، وناظرهم في بعض الأحيان، إلى أن حمل اليهود الحكام الروميين على القبض عليه، ورفع أمره إلى محكمة يرأسها قاض من الروم، فقضى عليه بالصّلب، وبعد ثلاثة أيام وجد قبره خاليا من جسده عليه السلام.
أين قضى عيسى عليه السلام الثلاثين أو الخمس والعشرين سنة على الأقل من حياته؟ وفيم قضاها؟ وبأيّ الأعمال شغل هذا الفراغ الواسع من عمره؟ إنّ الدّنيا لا تعلم عن ذلك شيئا ولن تعلم. والسنوات الثلاث الأخيرة ماذا نجد فيها؟ آيات ومعجزات معدودات، وبعض العظات، ثم قيل: إنّه صلب، فانطوت صحيفة حياته.
[الحياة المثالية هي التي يبدأ صاحب دعوتها بنفسه فيعمل بما يدعو إليه:]
من الشروط المحتّمة التي لا بدّ منها لكلّ من يرجّى أن تكون سيرته وهدايته أسوة للبشر: الكمال، والتّمام، والجمع. والمراد بالكمال، والتمام، والجمع: أنّ الطوائف الإنسانية المتفرقة والطبقات البشرية
(١) هو أرنست رينان (Aurnest Renan) مستشرق وفيلسوف فرنسي، تضلّع من اللغات الشرقية، أخذ بمذهب حرية الفكر، فصنف كتابه «حياة يسوع» . عني بالعقائد الإسلامية، مات سنة ١٨٩٢ م.