٤- أن تكون «عملية» أي: أن تكون الدّعوة إلى المبادىء، والفضائل، والواجبات بعمل الدّاعي وأخلاقه، وأن يكون كلّ ما دعا إليه بلسانه قد حقّقه بسيرته، وعمل به في حياته الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، فأصبحت أعماله مثلا عليا للناس يأتسون بها. وأنا لا أقول: إنّ الأنبياء صفرت صحائف حياتهم من هذه الميزة مدّة وجودهم في الحياة الدّنيا، بل أقول: إن سيرتهم التي توجد الآن بين أيدي الناس لا تنصّ على هذه الأمور، ويخيّل إليّ أنّ الحكمة الإلهية في ذلك ترجع إلى أن أولئك الأنبياء إنما بعثوا لأزمانهم، وشعوبهم، فكان الموفقون للخير من شعوبهم في أزمانهم يرون سيرتهم فيأتسون بها، ولم يكن هنالك حاجة إلى أن تبقى سيرتهم معلومة للأجيال التالية بعدهم؛ لأنّ النبوّات ستختم برسالة محمد صلّى الله عليه وسلم الكاملة إلى الناس كافّة في كلّ زمان ومكان، فمسّت الحاجة إلى أن تكون سيرته صلّى الله عليه وسلم معلومة على حقيقتها في كلّ زمان ومكان إلى يوم القيامة؛ ليتيسّر التأسّي بها لجميع أمم الأرض. وهذا من أصدق البراهين على كون محمّد صلّى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا نبيّ بعده ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: ٤٠] .