ولدوا في أواخر عهده فلم يروه، وإنما رأوا أصحابه، وأخذوا عنهم، وعلى أقل تقدير يعدّ تابعيا من ولد بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم (ربيع الأول سنة ١١) ، وأعمال التابعين التي تنسب إليهم يبدأ عهدها من سنة ١١ هـ، وليس من المحتم ألا ينسب إلى التابعين إلا ما صدر عنهم بعد وفاة آخر الصحابة بقاء على قيد الحياة، فاخر الصحابة بقاء على قيد الحياة امتدّ زمنه إلى أواخر المئة الأولى للهجرة، وأعمال التابعين- ومنها البدء بتدوين الحديث- ينبغي أن تنسب إلى زمنهم الذي بدأ من بعد سنة ١١ هـ التي انتقل فيها النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى الرّفيق الأعلى.
[جمع الحديث له ثلاثة أطوار:]
والحق أنّ جمع الأحاديث، والأحكام، والأخبار، وتدوينها عند المسلمين له ثلاثة أطوار: الطور الأول: هو الذي جمع فيه الرجال ما عندهم من العلم. والطور الثاني: هو الذي قام فيه أهل كلّ مصر من الأمصار الإسلامية بتدوين ما عند علماء ذلك المصر من العلم في كتب خاصّة بأهل مصرهم. والطور الثالث: هو الذي جمعت فيه علوم الدّين الإسلاميّ كلّها من جميع الأمصار، ودوّنت في الدواوين الكبرى، والمصنفات الجليلة، وهي التي صارت إلينا، ولا تزال بين أيدينا.
والطّور الأول استمرّ إلى سنة ١٠٠ هـ، وامتدّ الطّور الثاني إلى سنة ١٥٠ هـ، وبدأ الطور الثالث من سنة ١٥٠ هـ إلى القرن الثالث للهجرة، أو بعده بقليل. وإنّ الطّور الأول هو الذي كان فيه الصحابة، وكبار التابعين.
والطور الثاني هو الذي كان فيه صغار التابعين، وتابعو التابعين. والطور الثالث هو عهد المحدّثين، وأئمة السنة، كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، والإمام مسلم صاحب الجامع الصحيح، والإمام الترمذي، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم من المحدّثين. وما جمع في الطور الأول دوّن في كتب الطور الثاني، وما دوّن في الطور الثاني جمع، ونظم في كتب الطور الثالث. ونرى أمامنا أكثر ما جمع في الطورين الثاني والثالث مدونا في كتب كثيرة تشتمل على آلاف من الأوراق هي في الواقع من أثمن الذخائر