للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعرفونه من أحوال الطبقة التي كانت قبلهم، وقد اجتمع من هذا المجهود العلمي العظيم علم مستقلّ من العلوم الإسلامية، أطلق عليه فيما بعد عنوان (أسماء الرجال) فتيسّر لمن أتى بعدهم أن يقفوا على أقدار مئات الألوف من الحفّاظ، والعلماء، والرواة، وغيرهم.

[علم نقد الحديث من جهة الدراية والفهم:]

هذا فيما يتعلق بالرواية وحملتها، وهنالك علم نقد الحديث من جهة الدراية والفهم، وأنّ له أصولا محكمة، وقواعد متقنة اتخذوها لنقد المرويات، وتمييز صحيحها من سقيمها، وغثّها من السمين، والرّاجح من المرجوح، وقد تحرّى علماء السّنّة في هذا الأمر الحقّ وحده، وتمسّكوا فيه بالمحجّة البيضاء، وكل ما يؤدي إليه الصدق، فكان عملهم هذا من مفاخر الإسلام، وأنت تعلم أنّ ممّن تحمل الرواية رجالا من الولاة، والحكام، والأمراء الذين يخشى جانبهم، ويحذر الناس بطشهم وجبروتهم، فكان المحدّثون يلتزمون فيهم قول الحقّ، وينزلونهم في المنازل التي يستحقّونها، ولا يبالون بما قد يصيبهم من مكروه بسبب هذه المصارحة بما يرضي الله ويصون أمانات الإسلام. وكان وكيع «١» محدّثا كبيرا، وكان أبوه عاملا للدولة على بيت المال، فكان إذا روى عن أبيه شيئا عضده برواية راو آخر، فإذا انفرد أبوه برواية خبر توقّف وكيع عن الأخذ بذلك حتى تعضده رواية أخرى. فهل رأيت مثل هذا الاحتياط، ومثل هذه المبالغة في التثبت عند أهل ملّة أخرى غير ملّة الإسلام؟ ويقول الإمام معاذ بن معاذ «٢» : رأيت المسعودي في سنة ١٥٤


(١) هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أحد حفاظ الحديث، كان محدث العراق في عصره، أراد الرشيد أن يوليه قضاء الكوفة، فامتنع ورعا، قال الإمام أحمد بن حنبل: «ما رأيت أحدا أوعى منه، ولا أحفظ، وكيع إمام المسلمين» . توفي بفيد راجعا من الحجّ سنة ١٩٧ هـ.
(٢) هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري التميمي، من الأثبات في الحديث، قال الإمام أحمد بن حنبل: «ما رأيت أعقل من معاذ، كأنه صخرة!» ، توفي بالبصرة سنة ١٩٦ هـ.

<<  <   >  >>