وعلى ذلك فان الارض بحجمها وبعدها الحاليين عن الشمس وسرعتها في مدارها، تهيئ للإنسان أسباب الحياة والاستمتاع بها في صورها المادية والفكرية والروحية على النحو الذي نشاهده اليوم في حياتنا.
فاذا لم تكن الحياة قد نشأت بحكمة وتصميم سابق فلا بد ان تكون قد نشأت عن طريق المصادفة. فما هي تلك المصادفة اذن حتى نتدبرها ونرى كيف تخلق الحياة؟
ان نظريات المصادفة والاحتمال لها الان من الأسس الرياضية السليمة ما يجعلها تطبق على نطاق واسع حيثما انعدم الحكم الصحيح المطلق، وتضع هذه النظريات امامنا الحكم الاقرب إلى الصواب مع تقدير احتمال الخطأ في هذا الحكم.. ولقد تقدمت دراسة نظرية المصادفة والاحتمال من الوجهة الرياضية تقدما كبيرا حتى أصبحنا قادرين على التنبؤ بحدوث بعض الظواهر التي نقول انها تحدث بالمصادفة والتي لا نستطيع ان نفسر ظهورها بطريقة اخرى (مثل قذف الزهر في لعبة النرد) . وقد صرنا بفضل تقدم هذه الدراسات قادرين على التمييز بين ما يمكن ان يحدث بطريق المصادفة، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة، وان نحسب احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في مدى معين من الزمان، ولننظر الان إلى الذي تستطيع ان تلعبه المصادفة في نشأة الحياة:
ان البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية. وهي تتكون من خمسة عناصر هي: الكربون، والايدروجين، والنيتروجين، والأوكسجين، والكبريت. ويبلغ عدد الذرات في الجزيء البروتيني، الواحد ٤٠٠٠٠ ذرة. ولما كان عدد العناصر الكيماوية في الطبيعة ٩٢ عنصرا موزعه كلها توزيعا عشوائياً، فان احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزئيا من جزئيات البروتين يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي ان تخلط خلطا مستمرا لكي تؤلف هذا الجزء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد.