والانتخاب الطبيعي هو احد العوامل الميكانيكية للتطور، كما ان التطور هو أحد عوامل عملية الخلق، فالتطور اذن ليس الا أحد السنن الكونية او القوانين الطبيعية، وهو كسائر القوانين العلمية الأخرى يقوم بدور ثانوي، لأنه هو ذاته يحتاج إلى من يبدعه. ولا شك في انه من خلق الله وصنعه. والكائنات التي تنشأ بطريق عملية الانتخاب الطبيعي قد خلقها الله أيضا كما خلق القوانين التي تخضع لها، فالانتخاب الطبيعي ذاته لا يستطيع ان يخلق شيئا، وكل ما يفعله هو انه احدى الطرق التي تسلكها بعض الكائنات في سبيل البقاء او الزوال عن طريق الحياة والتكاثر بين الأنواع المختلفة. أما الانواع ذاتها التي يتم فيها هذا الانتقاء فانها تنشأ عن طفرات تخضع لقوانين الوراثة وظواهرها، وهذه القوانين لا تسير على غير هدى ولا تخضع للمصادفة العمياء كما يتوهم الماديون او يريدوننا ان نعتقد.
ان الطفرات او التغيرات الفجائية ليست مجرد خبط عشواء – كما يدعي بعض الباحثين – لفترة طويلة من الزمان، فالطفرات التي تحدد احجام الأعضاء مثلا قد تؤدي – كما ثبت من بعض البحوث الحديثة – إلى صغر حجم الأعضاء المختصة، والانتخاب الطبيعي الذي يعتمد على الطفرات التي تتم بمحض المصادفة لا يقضي الا على الأعضاء الضارة. ومع ذلك فاننا نشاهد ان الأعضاء المتعادلة التي ليس لها ضرر ولا نفع تتضاءل هي الاخرى، مما يثبت ان الطفرات ليست دائما عشوائية وان التطور لا يعتمد على المصادفة العمياء. وعلى ذلك فانه لا مفر من التسليم بان هنالك حكمة وتدبيرا وراء الخلق ووراء القوانين التي توجهه. ولا مفر لنا كذلك من التسليم بان التطور ذاته قد صمم بحكمة وانه يحتاج هو أيضا إلى خالق يبدعه.
ولا يتسع المقام لسرد أدلة أخرى لبيان الحكمة والتصميم والإبداع في هذا الكون،