أسلم بان يكون كل ذلك قد تم بمحض المصادفة العمياء التي جعلت ذرات هذا الكون تتألف بهذه الصورة العجيبة. ان هذا التصميم يحتاج إلى مبدع، ونحن نطلق على هذا المبدع اسم الله.
وبالنسبة إلى الكيميائي يعتبر الترتيب الدوري للعناصر من الأمور التي تثير عجبه ودهشته. وأول ما يتعلمه الطالب عند بدء التحاقه بالجامعة، هو أن العناصر يمكن ترتيبها ترتيبا دوريا معينا، ولهذا الترتيب طرق مختلفة، ولكننا نكتفي هنا بتقسيم (مانداليف) ، وهو العالم الروسي الذي ظهر في القرن الماضي. ولا تقتصر فائدة هذا التنظيم الدوري للعناصر على ما يقدمه من عون وتسهيل في دراسة العناصر المعروفة ومركباتها، ولكنه يدفع العلماء إلى البحث عن العناصر التي لم يتم استكشافها بعد، والتي ساعد هذا التنظيم على التنبؤ بها، وتركت أماكنها في الجدول الدوري للعناصر خالية تنتظر الكشف عنها.
ولا يزال الكيميائيون حتى اليوم، يستخدمون الجدول الدوري للعناصر ليساعدهم في دراسة التفاعلات الكيماوية والتنبؤ بخواص العناصر والمركبات، ولا شك ان نجاحهم في هذا السبيل يعد دليلا على ما يسود العالم غير العضوي من نظام بديع. ولكن هذا النظام الذي نشاهده في العالم من حولنا ليس مظهرا من مظاهر القدرة على كل شيء فحسب، بل انه يتصف فوق ذلك بالحكمة والاتجاه نحو تحقيق صالح الانسان، مما يدل على ان اهتمام الخالق بنفع عباده (١) لا يقل عن اهتمامه بالسنن والقوانين التي تنظم هذا الوجود. انظر من حولك إلى الحكمة البالغة التي ينطوي عليها خروج بعض الظواهر عن العادة أو المألوف. فالماء مثلا، يتوقع الانسان من وزنه الجزيئي (١٨) ان يكون غازيا تحت درجة الحرارة المعتادة والنمط المعتاد، فالنوشادر مثلا ووزنها الجزيئي (١٧) تكون غازية عند درجة حرارة ناقص ٧٣ وتحت الضغط الجوي المعتاد، وكبريتور الأيدروجين الذي
(١) - (وان تعدوا نعمة الله، لا تحصوها ان الله لغفور رحيم) سورة النحل، آية: ١٨.