خلال العقدين الأولين من هذا القرن، شاهد كثير من الناس فروجاً في أسقف الغابات ولاحظوا ان هذه الفروج لا تسد أبداً. ولقد كان الكستناء الأمريكي يحتل مكانا بين سائر أنواعه في العالم لا يدانيه فيه مكان آخر، فقد كان يمتاز بنوعه ومقاومته للتعطن وبنخاعه الخشبي وما به من مادة التنين، ثم بثماره وبما يعطيه من الظل وغير ذلك من الصفات الممتازة العديدة الأخرى.
وكان ينمو على حواف الجبال ذات التربة الضعيفة كما ينمو في الوديان الخصبة. قبل أن يصيبه هذا المرض الذي وصل إليه من آسيا حوالي ١٩٠٠، لم تكن تصيبه أمراض أخرى، فلقد كان بحق ملك الغابة أما الآن فقد باد واندثر من الغابات ولم يعد يشاهد منه إلا بعض البراعم الضئيلة تنبثق بين حين وآخر من بقايا جذوع الأشجار التي كانت قائمة يوماً من الأيام كأنما تذكرنا أن البقاء لله وحده، وأن أقوى الرجال كأقوى الأشجار لابد يوماً أن يزول.
وما لبثت الفروج التي حدثت في سماء الغابة حتى ملئت، لقد سدتها أشجار الخزامى، التي كأنما كانت تراقب ما نزل بأشجار (أبي فروة) من داء لتحل محلها بفارغ الصبر حتى تحصل على ما يكفيها من الضوء. فهي من الأشجار التواقة إلى الضوء والتي لا تحتمل المعيشة في الظل. وحتى ذلك الوقت كانت أشجار الخزامى من الأشجار الضئيلة في الغابة التي لا يمكن أن تعتبر من أشجار الخشب القيمة إلا نادراً. أما الآن فإنها أحداً لا يحزن على ما حل بأشجار الكستناء من خسارة، إذ تقوم مكانها جذوع أشجار الخزامى الضخمة التي تضيف كل منها إلى نفسها بسبب نموها السريع ما يقرب من بوصة في السمك وست بوصات في الارتفاع سنويا. وبالإضافة إلى سرعة نموها فإنها تعطي خشبها من النوع الممتاز. فهل تضع الطبيعة العبقرية خططها وتدبيرها للأمور بأكثر من تهيئة الظروف المناسبة؟
ولقد كنت أتحدث مت زميل ممن أطمئن إليهم من الأخصائيين في فلاحة الغابات عن ذلك المرض الذي أصاب نباتات الكستناء، وهو ينصح المشتغلين بالغابات بان يلجأوا دائماً إلى كتاب الكون والطبيعة لكي يجدوا فيه حلا لكل مشكلة من المشكلات. ويقول إسحق وطسن في هذا المعنى: