للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة، ثم هرول عنه مسرعا وصوته النديّ يصيح:

"أحد.. أحد.."

**

لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام..

فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تمّ في ظروف أخرى، لجازنا أن نسال بلالا حق التسامح، وما كان لرجل في مثل ايمانه وتقاه أن يبخل به.

لكن اللقاء الذي تم بينهما، كان في حرب، جاءها كل فريق ليفني غريمه..

السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب، ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة الا ويحمل آثار تعذيب.

وأين يبصره وكيف..؟

يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوّح به..

في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلالا: لماذا لم يصفح الصفح الجميل..؟؟

**

وتمضي الأيام وتفتح مكة..

ويدخلها الرسول شاكرا مكبرا على رأس عشرة آلاف من المسلمين..

ويتوجه الى الكعبة رأسا.. هذا المكان المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام..!!

لقد جاء الحق وزهق الباطل..

ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل.. لن يجني الانسان بعد اليوم هامته لحجر، ولا وثن.. ولن يعبد الناس ملء ضمائرهم الا الله الي ليس كمثله شيء، الواحد الأحد، الكبير المتعال..

ويدخل الرسول الكعبة، مصطحبا معه بلال..!

ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالا منحوتا، يمثل ابراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، فيغضب الرسول ويقول:

"قاتلهم الله..

ما كان شيخنا يستقسم بالأزلام.. ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين".

ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد، ويؤذن.

ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان، واملكان، والمناسبة..!!

<<  <   >  >>