للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واذا ذكّر بحظوظ الدنيا ومتاعها التي يهرب منها قال:

"لقد اجتمعت وأصحابي على أمر، واني أخاف ان خالفتهم ألا ألأحق بهم"..

ثم يعلم الآخرين أنه لم يترك دنياهم عجزا، فيرفع يده الى السماء ويقول:

"اللهم انك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشا في هذه الدنيا".

**

أجل.. لولا مخافة ربه لزاحم في الدنيا، ولكان من الظافرين..

بل انه لم يكن بحاجة الى أن يزاحم، فقد كانت الدنيا تسعى اليه وتطارده بطيباتها ومغرياتها..

وهل هناك كمنصب الخلافة اغراء..؟

لقد عرض على ابن عمر مرات وهو يعرض عنه.. وهدد بالقتل ان لم يقبل. فازداد له رفضا، وعنه اعراضا..!!

يقول الحسن رضي الله عنه:

" لما قتل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: انك سيّد الناس، وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس..

قال: ان والله لئن استطعت، لا يهراق بسببي محجمة من دم..

قالوا: لتخرجن، أ، لنقتلنكك على فراشك.. فأعاد عليهم قوله الأول..

فأطمعوه.. وخوّفوه.. فما استقبلوا منه شيئا"..!!

وفيما بعد.. وبينما الزمان يمر، والفتن تكثر، كان ابن عمر دوما هو الأمل، فيلح الناس عليه، كي يقبل منصب الخلافة، ويجيئوا له بالبيعة، ولكنه كان دائما يأبى..

ولقد يشكل هذا الرفض مأخذا يوجه الى ابن عمر..

بيد أن كان له منطقه وحجته. فبعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ساءت الأمور وتفاقمت على نحو ينذر بالسوء والخطر..

وابن عمر وان يك زاهدا في جاه الخلافة، فانه يتقبل مسؤلياتها ويحمل أخطارها، ولكن شريطة أن يختاره جميع المسلمين طائين، مختارين، أما أن يحمل واحد لا غير على بيعته بالسيف، فهذا ما يرفضه، ويرفض الخلافة معه..

وآنئذ، لم يكن ذلك ممكنا.. فعلى الرغم من فضله، واجماع المسلمين على حبه وتوقيره، فان اتساع الأمصار، وتنائبها، والخلافات التي احتدمت بين المسلمين، وجعلتهم شيعا تتنابذ بالحرب، وتتنادى للسيف، لم يجعل الجو مهيأ لهذا الاجماع الذي يشترطه عبد الله بن عمر..

لقيه رجل يوما فقال له: ما أحد شر لأمة محمد منك..!

<<  <   >  >>