للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال: " ولو أذن له، فرهنه، فجنى، فبيع في الجناية، فأشبهُ الأمرين أنه كير ضامنٍ، وليس كالمستعير الذي منفعته مشغولة ... إلى آخره " (١).

٣٦٧٣ - إذا استعار رجل عبداً من مالكه ليرهنه بدين عليه، فقد أطلق الأصحاب أنه إذا رهن العبد المستعار بإذن مولاه، فالرهن جائز. ثم قالوا في حقيقة هذا الرهنِ قولان؛ أحدهما - أنه يُنحى به نحو الضمان. والثاني - أنه يُنحى به نحو العاريّة، فنبيّن القولين، ثم نوجههما، ثم نفرعّ عليهما.

أما بيانهما: فمن قال: سبيله سبيلُ الضمان، فتقديره أنه إذا أذن للمستعير أن يُلزم رقبةَ العبد المستعار مالاً، وسيد العبد وإن كان بريئاً عن دين المستعير، فلو ضمنه، لصار ملتزماً ماله. فهذا في حكم ضمانٍ في عين العبد، ومالكُ العبد متبرع به، تبرّعَ الضامنين بإنشاء الضّمان.

ومن قال: يجري مجرى العارية، فمعناه أن المستعير ينتفع بمنافع المستعار، فكأنه جعل التوثق برقبته انتفاعاً به، فهذا معنى جريانه مجرى العواري.

٣٦٧٤ - توجيه القولين: من نزله منزلة الضمان، فوجهه أن المالك بريء عن دين المستعير، وإذا ثبت الرهنُ وانبرم بالقبض، فموجبه اللزوم، ولا وجهَ للزوم الدين في حق البريء عنه إلا الضّمان، غيرَ أن المالك يتصرف في ذمته، ويتصرف في أعيان ملكه، ثم ملك أن يُلزم ذمته البريئة دينَ الغير بطريق الضّمانِ، فيملك أن يُلزم رقبةَ ماله دينَ الغير متبرعاً، وهو في الوجهين متصرِّفٌ في محل تمكنه ومِلكه، غيرَ أنه إن ضمن، فلا تعلق للمضمون بماله، وإذا علق الدينَ بماله، فلا تعلّق له بذمته.

ومن قال: يُنحى به نحو العارية، فوجهه أن الضمان محلُّه الذمة، فلا يتعلق الملتزَم بعينٍ قط، وهذا الحق يتعلق بالعين، وراهنه مستعيرٌ، فالرهن عاريةٌ في جهة مخصوصة.


(١) ر. المختصر: ٢/ ٢١٥.