إليها، فيكون ذلك سفراً منقطعاً، ويقرب التحرز فيه من التحرز في سفر الجهاد، وينضم إلى هذا القبيل أن السفرة ليست واجبة في نفسها.
فخرج مما ذكرناه أن السفر القصير لا يجب أن يكون فيه خلاف. والسفر الطويل المباح على التردّد في كل صورة.
وإن استبعد مستبعد وجوب استئذان الأبوين، فإني أخشى أن يكون هذا من استمرار الإلف بالاستبداد بالنفس، وحكم الدين طلبُ البر بالوالدين. قال الله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... } الآية [الإسراء: ٢٣]، وفي الآية لطيفة لا يتفطّن لها إلا موفق، وهي أنه تعالى أبان أنه لا معبود غيره، ثم ذكر برّ الوالدين على أثر عبادته، ونبه على أنه تِلوُ عبادته تعالى، ومن أدنى آثار ذلك طلب رضا الوالدين في الأسفار المباحة. وهذا منتهى الأمر في ذلك.
وليس يبعد عندي إلحاق الأجداد والجدّات بالوالدين فيما ذكرناه من اشتراط الرضا، ولا يبعد تنزيل الأبوين الكافرين منزلة المسلمين في غير سفر الدِّين، يعني الأسفار المباحة، والأمور الدنياوية.
١١٢٨٧ - ومما يُرعى في الجهاد الواقعِ فرضَ كفاية المعاذيرُ التي تتصف النفوس بها. قال الشافعي في صدر الباب: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى ... } الآية [التوبة: ٩١]. وقد أبنَّا أنها نزلت في طائفة من المتخلفين عن غزوة تبوك للضعف والعجز، وقد نزلت آيتان في سورتين، وصيغ الكلام فيهما متقاربة، والمقصود مختلف. قال الله تعالى في سورة النور:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ}[النور: ٦١]، وقال في سورة الفتح:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ}[الفتح: ١٧].
والمراد برفع الحرج في سورة النور أنه لا حرج على الموصوفين بالعلل التي ذكرناها في مؤاكلة من ليس لهم تيك العلل، فللأعمى أن يؤاكل البصير، وإن كان قد لا يتأتى منه مراعاة الأدب في تقدير اليد وإعمالها فيما يليه، ولا يخفى أن الأدب أن يأكل الإنسان مما يليه، وقد روي: " أن ابن عباس كان يؤاكل رسول الله صلى الله عليه