أي وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن الملائكة تتحدث في العنان- أي الغمام- بالأمر يكون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن، فيزيدونها مائة كذبة» .
وعن أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه «لم يرم بنجم منذ رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حتى تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بها، فلما رأت قريش أمرا لم تكن تراه فزعوا لعبد يا ليل» الحديث.
أقول: وهذا يفيد أنه لم يرم بها قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم: أي قبل قربه الشامل لزمن الولادة، فلا يخالف ما تقدم، وأن النجوم كان يرمى بها قبل أن يرفع عيسى عليه الصلاة والسلام وذلك صادق بزمن آدم فمن بعده من الرسل، وهو الموافق لقول الزهري: الحجب وتساقط النجوم كان موجودا قبل البعث في سالف الأزمان: أي في زمن الرسل لا في زمن الفترات بين الرسل، لقول الكشاف: وقول بعضهم: ظاهر الأخبار يدل على أن الرجم للشياطين بالشهب كان في زمن غيره صلى الله عليه وسلم من الرسل وهو كذلك، وعليه أكثر المفسرين- حراسة لما ينزل من الوحي على الرسل. وأما في الزمن الذي ليس فيه رسول: أي وهو زمن الفترات بين الرسل، فكانوا يسترقون السمع في مقاعد لهم، ويلقون ما يسمعون للكهان: أي لأن الله تعالى ذكر فائدتين في خلق النجوم، فقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك: الآية ٥] وقال تعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧)[الصافات: ٦ و ٧] وكونها إنما جعلت رجوما وحفظا ليس إلا عند قرب مبعثه صلى الله عليه وسلم، خاصة دون بقية الرسل من أبعد البعيد.
وحيث كان الغرض من الرمي بالنجوم منع الشياطين من استراق السمع اقتضى ذلك أنه لم يرم بها قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، ومنه زمن ولادته.
ويوافق ذلك قول ابن إسحق: لما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين، وقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:«لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من خبر السماء، رموا بالشهب فذكروا ذلك لإبليس، فقال: بعث أي لعله بعث نبي، عليكم بالأرض المقدسة أي لأنها محل الأنبياء، وهذا يدل على أن عند إبليس أن الرمي بالنجوم علامة على بعث الأنبياء، فذهبوا ثم رجعوا، فقالوا ليس بها أحد، فخرج إبليس يطلبه بمكة: أي لأنها مظنة ذلك بعد محل الأنبياء، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء منحدرا معه جبريل، فرجع إلى أصحابه، فقال: بعث أحمد ومعه جبريل» . وفي رواية «إن إبليس قال لما أخبروه بأنهم منعوا من خبر السماء: إن هذا الحدث حدث في الأرض، فائتوني من تربة كل أرض فأتوه بذلك، فجعل يشمها، فلما شم تربة مكة قال: من ههنا الحدث، فمضوا