المفعول مشددا وكذا بصيغة الفاعل على ما ضبطه في بعض النسخ (من الوحي) أي مما أوحي إليه من الحق إلى الخلق، (مكين) أي ذي مكانة ومنزلة عليه عارية عن المنقصة في مرتبته (أي متمكّن المنزلة) أي الجاه ولكون المكانة على حسب حال المتمكن قال عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ تلويحا بعظم مكانته ومنزلته وعلو مرتبته كما أشار إليه المصنف بقوله (من ربّه، رفيع المحلّ) بفتح الحاء وجوز كسرها أي على الشأن (عنده) أي عنده سبحانه وتعالى عندية منزهة عن المكان والزمان وقوله تعالى عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ متعلق بقوله تعالى ذِي قُوَّةٍ أو بمكين (مطاع) أي ذي إطاعة مع كونه صاحب طاعة، (ثمّ) بفتح المثلثة (أي في السّماء) إذ قد بلغ فيها ليلة الإسراء ملائكة السماء فأطاعوه أجمع في ذلك الإنباء وقرئ بضم المثلثة فالمراد بها التراخي في الرتبة، (أمين على الوحي) أي مأمور على تحمل ما أوحى إليه وتبليغ ما أنزل عليه ومقبول القول لديه والظرف يحتمل وصله بما بعده وما قبله.
(قال: عليّ بن عيسى) أي الرماني النحوي المنسوب إلى زمان الفاكهة وبيعه أو لقصر الرمان موضع معرف بواسط وهو من أصحاب ابن دريد مات سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وهو صاحب كتاب النكت في إعجاز القرآن إمام مشهور في سائر العلوم وعن ابن السراج أنه تمذهب إلى الاعتزال والله تعالى أعلم بالحال، (وغيره) أي من أرباب المقال: (الرّسول الكريم) كان الأولى أن يقول رَسُولٍ كَرِيمٍ (هنا) أي في هذا المقام العظيم (محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم فجميع الأوصاف) أي المذكورة هنا (بعد) أي بعد ذكره وفي نسخة تعد بضم منقوطة بنقطين وفتح عين وتشديد مهملة أي تذكر (على هذا) أي على هذا القول (له) أي لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم. (وقال غيره) أي غير علي بن عيسى وهم الأكثرون من العلماء (هو) أي الرسول الكريم (جبريل فترجع الأوصاف إليه) أي بخلاف وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ فإن المراد به محمد صلى الله عليه وسلّم بإجماع المفسرين وذلك أن المشركين قالوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فنفى الله سبحانه وتعالى عنه ذلك بهذه الآية وبقوله سبحانه وتعالى ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وقد تمسك بعض المعتزلة وطائفة من أهل السنة في تفضيل الملائكة لعده فضائل جبريل عليه الصلاة والسلام واقتصاره على نفي الجنون عنه صلى الله عليه وسلّم وضعف بأن المقصود منه نفي قولهم إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ لأعد فضلهما والموازنة بينهما، (وَلَقَدْ رَآهُ) أي بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (يعني) أي يريد الحق سبحانه وتعالى بالرائي (محمّدا صلى الله تعالى عليه وسلم قيل) أي نقل عن ابن مسعود وغيره (رأى) أي محمد (ربّه) وقدم هذا القول لأنه أوفى بالغرض الذي هو مدح الرسول، (وقيل رأى) أي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم (جبريل في صورته) أي التي خلق عليها فقيل إن ذلك إشارة إلى رؤيته إياه عند سدرة المنتهى وقيل إنه إشارة إلى رؤيته إياه في غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض حسبما ثبت في الصحيح، (وما هو) أي ليس النبي صلى الله عليه وسلّم (على الغيب) أي على ما يخبر به مما أوحي إليه