قائل ذلك وحيرة) توجبها هيبة (لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَ مِنْ حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) في مرضه (وشدّة وجعه) وحصول غشيانه الموهم لوقوع هذيانه (وهول المقام الّذي اختلف فيه عليه) بامتثاله وامتناعه تهوينا له به مع تسليم الحكم إليه (والأمر) أي وهول الأمر (الّذي همّ) أي اهتم (بِالْكِتَابِ فِيهِ حَتَّى لَمْ يَضْبِطْ هَذَا الْقَائِلُ لفظه) أي في كلام نفسه (وأجرى الهجر) بالضم الفحش وبالفتح الهذيان (مجرى) بضم الميم ويفتح أي موضع (شدة الوجع) في مرضه (لا أنّه) أي القائل (اعتقد أنّه يجوز عليه الهجر) بالضم والفتح (كما حملهم الإشفاق على حراسته) أي محافظته ورعايته (والله تعالى) أي والحال أنه سبحانه وتعالى (يقول: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] ) أي ولو لم يحفظك الناس فإنهم كانوا يعدون تلك الحراسة عبادة وطاعة ويغتنمون الحضور بين يديه ولو ساعة (ونحو هذا) من إشفاقهم عليه حين وقع غضب وإعراض لديه تمنيهم أنه لو سكت مع كمال ميلهم إليه. (وأمّا على رواية أهجرا) ويروى وأما على رواية اهجرا وهو بفتح الهمزة وضم الهاء وهو بالنصب منونا على أن يكون مصدرا لهجر يهجر أو اسما من الأهجار (وهي رواية أبي إسحاق المستملي) بميم مضمومة فسين مهملة ساكنة أحد رواة البخاري (في الصّحيح في حديث ابن جبير) وهو سعيد (عن ابن عبّاس من رواية قتيبة) أي ابن سعيد أحد شيوخ البخاري (فقد يكون هذا) أي قوله أهجرا (راجعا إلى المختلفين) ويروى على المختلفين (عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ومخاطبة لهم من بعضهم) إنكارا عليهم (أَيْ جِئْتُمْ بِاخْتِلَافِكُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وبين يديه) أي والحال أنكم بين يديه (هجرا) أي ما يجب عليكم أن تهجروه (ومنكرا من القول) أي ما ينبغي لكم أن تتركوه؛ (والهجر بضمّ الهاء: الفحش في المنطق) ولا يتصور أن أحدا من الصحابة يخاطبه عليه الصلاة والسلام بمثل هذا الكلام في مقام الملام وهذا ما يتعلق بألفاظ هذا الحديث ومبناه ومجمل ما يتعلق بفحواه ومقتضاه، (وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ) أي حديث هلموا أكتب لكم (وكيف اختلفوا بعد أمره صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأتوه بالكتاب) الموصوف بأنهم لن يضلوا بعده في هذا الباب؛ (فقال بعضهم) أي بعض العلماء (أوامر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يفهم إيجابها من ندبها) تارة و (من إباحتها) أخرى (بقرائن) قالية أو حالية يدركها أربابها، (فلعلّ) أي الشأن (قد ظهر من قرائن قوله عليه الصلاة والسلام لبعضهم) أي من الصحابة الحاضرين (ما فهموا أنّه لم تكن منه) أي من جانبه (عزمة) أي أمر عزيمة (بل أمر) أي على وجه خبر (ردّه إلى اختيارهم) ولا يبعد أنه كان لظهور أمرهم في مقام امتحانهم واختبارهم (وبعضهم لم يفهم ذلك) لقصور فهمه وإدراك حقيقة ما هنالك (فقال) أي ذلك البعض لبعض منهم (استفهموه) أي استخبروه حتى يتبين لكم ما تستبهمونه، (فلمّا اختلفوا) أي كلهم ولم يستقر على شيء رأيهم (كفّ عنه) أي أعرض عن أمره (إذ لم يكن عزمة) في حكمه إذ لو كان عزيمة لما تركها (ولما) أي ولأجل ما (رأوه) أي كلهم أو أكثرهم ومنهم النبي صلى الله