وقد قال بعضهم أوحى إلى عبده أن لا يدخل أحد من الأمم الجنة قبل أمته ولعل المعنى أن هذا من جملى ما أوحي إليه (وهذا النّوع) أي الرمز بالكناية والإيماء (من الكلام) أي من أنواعه (يسمّيه أهل النّقد) أي النظر السديد، (والبلاغة) أي الفصاحة والمراد العارفون بجيد الكلام وبهرجه تشبيها لهم بصيارفة الذهب والفضة (بالوحي والإشارة) أي هنا لعدم الصراحة بالموحى به والمشار إليه فهما اسمان لمعنى واحد إذ هما أحد ما صدقا به كالكناية والإلهام والكلام الخفي قد يتفاوت وضوحا وخفاء، (وهو) أي النوع المسمى بهما (عندهم أبلغ أبواب الإيجاز) أي من حيث إنه جوامع الكلم المشابهة لكونها مبهمة للألغاز حيث فيها مبان يسيرة ومعان كثيرة يذهب فيها الفكر كل مذهب يمكن الانصراف إليها هذا وقيل كل كلام إما ناقص عن معناه أو مساو له أو زائد عليه إيجازا أو مساواة أو إطنابا وأعلاها الأول من حيث إن المعاني هي المقاصد والعبارات طرق لها فكلما قلت العبارة كان ذلك كالقرب في الطريق فكان أحق بالسلوك ويليه المساواة في الاستحسان لاقتفائها له في القرب وأكثر صياغة العبارات مصوغة عليها والاطناب كالبعد في الطريق فتراه متروكا غالبا إلا فيما يحتاج إليه من باب الخطب والمواعظ ومقام التوكيد ولكل مقام مقال بحسب اختلاف الأحوال كما قال قائلهم:
(وَقَالَ: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: ١٨] أي الدالات على عظمته تعالى (انحسرت الأفهام) جمع فهم وهو عبارة عن إزالة الوهم المستولي على القلب يقال فهم كذا إذا عقله والمعنى كلت العقول (عن تفصيل ما أوحى) أي إليه إذ لا يحيط به حد ولا يحصيه عد والمراد تفصيل الشيء بيان أجزائه مفصلة وأغرب التلمساني حيث فسره بالتميز، (وتاهت الأحلام) أي وذهبت العقول متحيرة (في تعيين تلك الآيات الكبرى) فلم تهتد إلى معرفة شيء منها لكثرتها وفي نسخة في تعبير تلك الآيات أي تبيينها وتفسيرها والعقل محله القلب لقوله تعالى فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها. (قال القاضي أبو الفضل) كذا في نسخة (واشتملت) أي دلت (هذه الآيات) أي السابقة (على إعلام الله) مصدر مضاف إلى فاعله أي على اخباره سبحانه وتعالى (بتزكية جملته) أي بتطهير ذاته وتنمية صفاته عليه السلام، (وعصمتها) أي ويحفظ الله جملته (من الآفات) أي التي تجري في الذوات (في هذا المسرى) بفتح الميم والراء مصدر ميمي أو اسم مكان (فزكّى فؤاده) أي مدح الله قلبه (ولسانه وجوارحه) أي أعضاءه التي يكتسب العمل بها وينتسب الفعل إليها والمراد هنا بصره لما سيجيء في بيان حصره (فقلبه) وهو تفصيل لما أجمله والظاهر كما في أصل الدلجي وغيره فزكى قلبه (بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى) وتقدم ما تعلق به من المعنى (ولسانه بقوله: تعالى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: ٣] ) أي لا يصدر نطقه عن هواه بل بوحي