للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسوغ فيه الإفراد نحو أكلت رأس شاتين، والجمع أجود نحو "فقد صغت قلوبكما" وإن كان غير جزئه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو سل الزيدان سيفهما، وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين، قاله ابن مالك، ولم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصدًا للستر عليهما، وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشره، وأبهمهما الراوي عمدًا لما مر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذبان" أي صاحبا القبرين "وما يعذبان في كبير" تركه عليهما "ثم قال" صلى الله عليه وسلم "بلى" إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليها الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحد أو ما فيه وعيد شديد، وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يعذبان عذابا شديدًا في ذنب هين "كان أحدهما لا يستتر من بوله" بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة، أي لا يتحفظ منه، وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول، فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة؛ لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر: لا يستبرئ، بموحدة ساكنة من الاستبراء، أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء؛ لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرز منه دل على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب "وكان الآخر يمشي بالنميمة" فعيلة من نم الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره، وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين، وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان للصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح

<<  <   >  >>