للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جل وعز: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} ١ فهذا قَدْ انقطع من الأوّل ويجوز أن يكون عَلَى الاستثناء من أوله كأنه قال: "إلا الذين ظلموا فجادلوهم بالتي هي أسوأ من لسان أو يدٍ" أي أغلظ، يريد مشركي العرب. وقوله جلّ ثناؤه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} ٢ قال قوم: إنما يريد المُكْرَه لأنه مظلوم فذلك عنه موضوع وإن نطق بالكفر. والاستثناء باب يطول.

وَقَدْ يُستثنى من الشيء الموحَّد لفظاً وهو فِي المعنى جمع، نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ٣.

واستثناء الشيء من غير جنسه لا معنى لَهُ مع الَّذِي ذكرناه من حقيقة الاستثناء.

وإذا جَمع الكلام ضروباً من المذكورات وَفِي آخره استثناء، فالأمر إلى الدليل فإن جاز رجعه عَلَى جميع الكلام كَانَ عَلَى جميعه كقوله جلّ ثناؤه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ٤ ثُمَّ قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} والاستثناء جائز فِي كلّ ذَلِكَ والذي يمنع منه الدليل قوله جلّ ثناؤه: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ٥ فالاستثناء ها هنا عَلَى مَا كَانَ من حق الله جلّ ثناؤه دون الجلد.

باب من الاستثناء آخر:

قال قوم: لا يُستثنى من الشيء إلا مَا كَانَ دون نصفه: لا يجوز أن يقال عشرة إلا خمسة. وقال قوم: يُستثنى القليل من الكثير ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه. وهذه العبارة هي الصحيحة. فأما من يقول: يُستثنى الكثير من القليل فليست بالعبارة الجيدة، قالوا: "عشرة إلا خمسة" حَتَّى يبلغ التسعة. قالوا: ومن الدليل عَلَى أن نصف الشيء قَدْ يستثنى من الشيء قوله جلّ ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ


١ سورة الأنعام، الآية: ١٥٢.
٢ سورة النساء، الآية: ١٤٧.
٣ سورة العصر، الآية: ٢، ٣.
٤ سورة المائدة، الآية: ٣٣.
٥ سورة النور، الآية: ٤.

<<  <   >  >>