للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} ١ ثُمَّ قال: {نِصْفَهُ} أفلا تراه سمّى النصف قليلاً واستثناه من الأصل?

قال أحمد بن فارس: واعترض قوم بهذا الَّذِي ذكرناه عَلَى أبي عبد الله مالك بن أنس فِي قوله فِي الجائحة؛ لأن مالكاً يذهب إلى أن الجائحة٢ إذا كَانَتْ دون الثلث لَمْ يوضع لأنها قليل بمنزلة مَا تناله العوافي٣ من الطير وغيرها وَمَا تلقيه الريح، فإذا بلغت الجائحة الثلث وَمَا زاد فهي كثيرة ولزم وضعها للحديث المرويّ فِيهَا. قال المعترض عَلَى أبي عبد الله مالك رضي الله تعالى عنه: فقد دفع هَذَا الفصل المعنى الَّذِي ذهب إليه مالك، لأن قوله جلّ ثناؤه: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} ٤ قَدْ جعل النصف قليلاً، فإذا كَانَ نصف الشيء قليلاً منه وجب أن يكون كثيرة مَا فَوْقَ النصف.

فالجواب عن هَذَا أن مالكاً إنما ذهب فِي جعله الثلث كثيراً إلى حديث حدثناه عليّ بن إبراهيم عن محمد بن يزيد عن هشام بن عمار عن ابن عيينة عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: "مرضت عامَ الفتح حَتَّى أشرفت، فعادَني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: أي رسول الله إن لي مالاً وَلَيْسَ يرثني إلا ابنتي أفأتصدّق بثلثي مالي? قال: "لا". قلت: فالشطر? قال: "لا" قلت: فالثلث? قال: "الثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالَةً يتكففون الناس" , فبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ مالك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بتأويل كتاب الله جلّ ثناؤه.

باب إِيَّا:

"إيَّا" كلمة تخصيص. إذا قلت: "إياك أردتُ" وَكَانَ الأصل "أردتك" فلما قدمت الكاف كما تقدم المفعول بِهِ فِي "ضربت زيداً" لَمْ تستقم كاف وحدها مقدمة عَلَى فعل فوصل بها "إيا".


١ سورة المزمل، الآية: ١.
٢ الجائحة: الشدة المجتاحة للمال.
٣ العوافي: من قولك: عافت الطير أي استدارت على الشيء أو الماء أو الجيف.
٤ سورة المزمل، الآية: ٢.

<<  <   >  >>