للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هؤلاء من قال بدرء الحد عنه لشبهة جهله: وقد فصل هؤلاء القول في ذلك، فيقول الشربيني: "لو قرب إسلامه، فقال: جهلت تحريمها لم يحد؛ لأنه قد يخفى عليه ذلك، والحدود تدرأ بالشبهات١، وقد فصل فقهاء الحنابلة القول، فيمن يدعي الجهل بتحريم الخمر، ووافقهم الأذرعي، فرأوا أن مدعي الجهل إن كان ناشئًا ببلاد الإسلام بين المسلمين، لم تقبل دعواه؛ لأن هذا لا يكاد يخفى على مثله، فلا تقبل دعواه ففيه، وإن كان حديث عهد بالإسلام، أو ناشئا ببادية بعيدة عن البلدان قبل منه؛ لأنه يحتمل ما قاله"٢.

وإن كان الرأي الظاهر عند فقهاء الشافعية، إسقاط الحد عمن قال بجهله حكم تحريمها؛ لقرب عهده بالإسلام دون تفصيل، سواء أكان ممن نشأ بين المسلمين، أو من غير هؤلاء، فقد جاء عن الشربيني قوله بعد أن ذكر رأي الأذرعي "ظاهر كلام الأصحاب الإطلاق، وهو الظاهر"٣.

وذهب فقهاء المالكية إلى القول: بأنه لا حد على من شرب خمرًا يظنها غيرها، كما إذا ظنها ماء، أو عسلًا فشرب، ثم ظهر أنها خمر، أو أن هذا الشراب مسكر، وقاسوا ذلك بمن وطئ أجنبية لظنها زوجته إن كان يتأتى الاشتباه.

أما من جهل وجوب الحد، وعلم الحرمة، فإنه يلزمه الحد، ولا يلتفت إلى جهله هذا؛ لأنه جهل لا يعتد به في إسقاط الحد، وكذا يلزم الحد


١ مغني المجتاج ج٤ ص١٨٨، ويراجع في ذلك بدائع الصنائع ج٧ ص٤٠.
٢ المغني ج٨ ص٣٠٨، ٣٠٩، مغني المحتاج ج٤ ص١٨٨.
٣ مغني المحتاج ج٤ ص١٨٨.

<<  <   >  >>