ما يصيبه بأي مكروه، أو يعرضه لأي أذى، حتى وإن أوقع الضرر بالآخرين.. وكل عقوبة توضع من أجل ردع الجاني تتناسى هذا الجانب النفسي والطبيعي والواقعي تضل هدفها، ولا تحقق غرضها، وتعود على المجتمع بنقيض مقصدها.. وقد أثبت صدق ما نقول أن كثيرا من الدول التي قررت وقف عقوبة الإعدام عادت إليها مرة أخرى حانية الرأس أمام هذا المبدأ إثر انتشار الجرائم تحت ظل هذه العقوبة وزعزعة الأمن وإقلاق المواطنين.
ولكن الشريعة الإسلامية سجلت في هذا المجال -كغيره- عمق نظر، وواقعية متناهية فيما يصلح شأن البشر، فقررت جعل جل العقوبات بدنية، ومتجانسة مع الجرم؛ حيث يتأتَى التجانس، وسائره معه ارتفاعا وانخفاضا حتى يشعر الجاني بأن ما يصدر منه من مثالب سيعود عليه مرة أخرى، فكما اكتوى الغير بناره سيكتوي هو أيضا، وكما أضرب الغير سيقع الضرر عليه أيضا، وكما تعدى على حرمات الله، ونال من حقوقه سينال جسمه حقه من العقاب.. فإذا شعر الجاني بذلك راجع نفسه ألف مرة قبل الإقدام على جنايته، وحاسب نفسه حسابا عسيرا، وهذا ما يهدف إليه التشريع من تربية النفس وصقلها وشفافيتها، وإشعارها بأن أذى إنسان ما هو أذى للناس جميعا، وأن الرحمة والمودة لإنسان ما هي إلا رحمة ومودة للناس جميعا.
وفي قوله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} ١ إشارة جلية وواضحة إلى أن الجناية في نظر الشريعة الإسلامية لا تقع