ويتابع "محمد كرد علي" قوله في هذا المجال فيقول مع بعض تصرف مني في العبارة:
"وجمع المأمون بعض حكماء عصره على صنعة الصورة التي نسبت إليه، ودعيت الصورة المأمومنية، صوروا فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره، وعامره، وغامره، ومساكن الأمم والمدن، إلى غير ذلك.
وهي أحسن مما تقدمها من جغرافية بطليموس، وجغرافية مارينوس.
ووضع له علماء رسم الأرض -وكانوا سبعين رجلًا من فلاسفة العراق- كتابًا في الجغرافية، أعان عمال الدولة على معرفة البلاد والأمم التي أظلتها الراية العباسية، هذا إلى عنايته بالفلك، وفلكيه الفزاري أول من استعمل الإسطرلاب من العرب.
وأقام المسلمون المراصد الفلكية في بغداد والرقة ودمشق والقاهرة وسمرقند، وقرطبة وفاس.
ونظروا في المجسطي لبطليموس في الفلك، وعملوا جداول فلكية مدققة.
وكشف المسلمون منابع النيل قبل أن يتصدى الإفرنج لها، وقام في أذهانهم أن في الأرض أقطارًا لم تعرف، حتى قال أحد عارفيهم قبل "كولومبس" بقرن ونصف:
"لا أمنع أن يكون ما انكشف عنه الماء من الأرض من جهتنا منكشفًا من الجهة الأخرى، وإذا لم أمنع أن يكون منكشفًا من تلك الجهة فلا أمنع أن يكون به من الحيوان والنبات والمعادن مثل ما عندنا أو من أنواع أخرى".
وقال "درابر" في حديثه عن المسلمين:
"إن اعتمادهم على المراقبة والامتحان دعاهم إلى استعمال الربع١ والاستطرلاب في علم الهيئة، ولم يقرروا في علم الهيئة لوائح فقط، بل رسموا
١ لدى الفلكيين أداة يقيسون بها تسمى الربع، وهي على شكلين: الربع المجيب، والربع المقنطر.