للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ بَلْ خَرَجَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الِاصْطِيَادِ فِي الْبَحْرِ وَبَيْنَ الِاصْطِيَادِ فِي الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ.

وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ السَّمَكُ خَاصَّةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﷺ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: الْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» فُسِّرَ ﵊ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا السَّمَكُ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى السَّمَكِ وَتَخْصِيصِهِ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ وَرَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ.

(وَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الطَّافِي فَالشَّافِعِيُّ ﵀ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة: ٩٦] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ [المائدة: ٩٦] أَيْ: أُحِلَّ لَكُمْ طَعَامُهُ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا صِيدَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُصَدْ وَالطَّافِي لَمْ يُصَدْ فَيَتَنَاوَلُهُ بِقَوْلِهِ ﵊ فِي صِفَةِ الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَأَحَقُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ الطَّافِي؛ لِأَنَّهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً وَبِقَوْلِهِ ﵊ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» فَسَّرَ النَّبِيُّ ﵊ الْمَيْتَةَ بِالسَّمَكِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الطَّافِي وَغَيْرِهِ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ الطَّافِي» وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا فِي أَسْوَاقِنَا الطَّافِيَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: مَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ فَكُلْهُ وَمَا وَجَدْتَهُ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: ٩٦] مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ إلَى الشَّطِّ فَمَاتَ كَذَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ حَلَالٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ إنَّمَا الطَّافِي اسْمٌ لِمَا مَاتَ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَسَبَبٍ حَادِثٍ وَهَذَا مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ قَذْفُ الْبَحْرِ فَلَا يَكُونُ طَافِيًا وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ الطَّافِي لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ السَّمَكُ الطَّافِي الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ مِنْهُ سَوَاءٌ عَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَيَعْلُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَعْلُ يَحِلُّ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْحَدُّ الْأَوَّلُ وَتَسْمِيَتُهُ طَافِيًا لِعُلُوِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ عَادَةً.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي السَّمَكِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْمَاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْأَرْضِ إنْ كَانَ رَأْسُهَا عَلَى الْأَرْضِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا أَوْ أَكْثَرُهُ فِي الْمَاءِ لَمْ تُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا مَوْضِعُ نَفَسِهَا فَإِذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَقَالُوا فِي سَمَكَةٍ ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً أُخْرَى أَنَّهَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ.

وَلَوْ مَاتَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَكَدَرِ الْمَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَكَدَرَ الْمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ ظَاهِرًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ يُوجِبُ الْمَوْتَ ظَاهِرًا أَوْ غَالِبًا فَلَا يُؤْكَلُ وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَسْبَابُ الْمَوْتِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ وُجِدَ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَكُنْ طَافِيًا فَيُؤْكَلُ وَيَسْتَوِي فِي حِلِّ الْأَكْلِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ السَّمَكِ مِنْ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فِي إبَاحَةِ السَّمَكِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ سَمَكٍ وَسَمَكٍ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ إبَاحَةُ الْجِرِّيثِ وَالسَّمَكِ الذَّكَرِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ أَصْلًا، وَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَمَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ مِثْلُ الْجَرَادِ وَالزُّنْبُورِ وَالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالْعَضَّابَةِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالْبُغَاثَةِ وَالْعَقْرَبِ.

وَنَحْوِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا الْجَرَادَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ لِاسْتِبْعَادِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ إيَّاهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﵎ ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] إلَّا أَنَّ الْجَرَادَ خُصَّ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ ﵊ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ» فَبَقِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ.

وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالْوَزَغِ وَسَامِّ أَبْرَصَ وَجَمِيعِ الْحَشَرَاتِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ مِنْ الْفَأْرِ وَالْقُرَادِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عِرْسٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا فِي الضَّبِّ فَإِنَّهُ حَلَالٌ عَنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: «أَكَلْت عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَحْمَ ضَبٍّ» وَعَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ فَلَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِشَارَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ ﵎ ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَالضَّبُّ مِنْ الْخَبَائِثِ وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊

<<  <  ج: ص:  >  >>