يرى ديكارت فرقا بين الخير الأسمى وبين معرفة الحق. قال في المقال:"إرادتنا لا تتجه إلى الإقبال على شيء, أو الانصراف عنه إلا بقدر ما يمثله لنا ذهننا حسنا أو قبيحا. ويلزم عند ذلك أنه يكفي أن نحكم على الأشياء حكما حسنا ليكون فعلنا حسنا" وإذن فليس هنالك حقيقة علمية وحقيقة أخلاقية. فالإرادة توجهها الأفكار، وهي تحسن حين تدبرها أفكار واضحة متميزة، وتسيء حين تتجه بأفكار غامضة مبهمة. وإذن, فالعلم والفضيلة شيء واحد، والخطأ والرذيلة أمران متماثلان. إنما قاعدة إرادتنا هو أن نريد نظام العالم" "ولا شيء هو في تمام استطاعتنا إلا أفكارنا". فإذا صح ذلك وجب أن نسعى لتغيير رغباتنا بدلا من محاولة تغيير نظام العالم. ويترتب على ذلك أن الفضيلة واحدة, وأن من كان له فضيلة فله جميع الفضائل.
ونحن نتبين في نظرات ديكارت هذه مشابهة للنظرات الأخلاقية التي عرفناها عند سقراط والرواقيين.
والواقع أن النظرة الديكارتية إلى الفلسفة إنما هي في صميمها نظرة قدماء الفلاسفة وأغلب فلاسفة القرون الوسطى، وديكارت في هذا كله ما زال يمت إلى الماضي بسبب وثيق. وكل ما هنالك من فرق عميق بين القديم والحديث إنما نجده في المنهج الفلسفي الجديد؛ ومن ثم في النتائج التي نتجت عنه. وفلسفة ديكارت قد اتخذت أيضا صورة استدلالية استنباطية, فسنرى أنه من المبدأ الأول للأشياء تستخرج الأشياء بحركة متصلة من حركات الفكر، لكن ديكارت إنما وضع نصب عينيه أن لا يستخدم إلا مبادئ هي من البداهة والوضوح, بحيث لا يستطيع العقل أن يشك في صحتها. وهذه البداهة والوضوح سيذيعان بالضرورة في سلسلة الأشياء التي تستخلص من تلك المبادئ.