الإنسان في إصلاح معاشه. وقد تبدو لأول وهلة على فلسفة ديكارت صبغة نظرية بحتة، لكن الحقيقة أن ديكارت لم تفارقه المشاغل العملية أبدا؛ فقد أراد أن يقيم علما طبيا مؤسسا على العقل، وكان دائم العناية بالأخلاق. كتب إلى شانو:"إن أمثل السبل لكي نعرف كيف ينبغي أن نحيا هو أن نعرف أولا من نحن؟ وما العالم الذي نعيش فيه؟ ومن هو خالق هذا الكون الذي فيه مقامنا؟ ".
ولقد أصر ديكارت في القسم السادس من كتاب "المقال في المنهج" على ذلك الاتجاه العملي الذي يجب أن توجه إليه الفلسفة, وبين هذه الأفكار وأفكار "بيكون" مشابهة عجيبة: "بدلا من تلك الفلسفة النظرية التي تعلم في المدارس، يمكن أن نجد فلسفة عملية نستطيع بها إذا عرفنا قوة الهواء وفعله، وفعل النجوم والسموات وجميع الأجسام الأخرى التي تحيط بنا، وكذلك الحال في جميع المهن التي يمارسها صناعنا، نستطيع أن نستعملها على ذلك النحو في جميع الاستعمالات التي اختصت بها، فنجعل بها أنفسنا سادة لها مسيطرين عليها"١.
وفضل التفلسف عند ديكارت ليس مقصورا على سمو النظر وشرف المرتبة، بل إن فيه أيضا منفعة عملية، والفلسفة ضرورية لإصلاح أخلاقنا ولهداية حياتنا، إذ ترشدنا إلى ماهية الخير الأسمى. وديكارت يميز هنا -كما فعل الرواقيون- نوعين من الخيرات: خيرات ليس أمرها بأيدينا، وخيراتهي في مقدورنا، والخيرات من النوع الأول ليست هي الخير الحق, وقد قال ديكارت:"الخير الأسمى لكل واحد عبارة عن التصميم على فعل الخير, وما يحدثه ذلك من رضى في النفس, ولا أرى غيره خيرا يعدله في جلال قدرة, ويكون بمقدور كل واحد, فإن خيرات البدن والحظ واليسار ليست على الإطلاق في مقدورنا"، ولا