للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ب- والفلسفة عند ديكارت واحدة، ولكنها لسهولة التعليم تنقسم عدة أجزاء:

"الجزء الأول هو الميتافيزيقا التي تشمل مبادئ المعرفة, التي بينها تفسير أهم صفات الله، ولامادية نفوسنا، وجميع المعاني الواضحة البسيطة التي هي فينا، والثاني الفيزيقا التي ينظر فيها على العموم بعد إيجاد المبادئ الصحيحة للأشياء المادية؛ كيف نشأ الكون كله؟ ثم علي الخصوص ما طبيعة هذه الأرض وجميع الأجسام التي توجد عليها كالهواء والماء والنار والمغناطيس؟ وبعد ذلك نحتاج إلى أن نفحص أيضا على الخصوص عن طبيعة النبات وطبيعة الحيوان, وبالأخص عن طبيعة الإنسان لكي نستطيع بعد ذلك أن نجد العلوم الأخرى التي فيها منفعة له؛ ولذلك كانت الفلسفة كلها كشجرة جذورها الميتافيزيقا, وجذعها الفيزيقا، والفروع التي تخرج من هذا الجذع هي جميع العلوم الأخرى التي ترجع إلى ثلاثة علوم كبرى, هي: الطب والميكانيكا والأخلاق, وأقصد الأخلاق الأرفع والأكمل التي تفيد معرفة تامة بالعلوم الأخرى؛ ولذلك كانت هي أقصى مرتبة من مراتب الحكمة"١.

فلنلاحظ أن ديكارت قلب النظام المعهود في المعرفة البشرية, وجعل من الميتافيزيقا مدخلا إلى الميكانيكا وإلى الطب وإلى الأخلاق. فالميتافيزيقا عند ديكارت إنما تمدنا بالمبادئ الأولى للأشياء, ويشتق من الفيزيقا علمان عمليان, أو فنان هما: الميكانيكا والطب، وأخيرا يشتق من الفلسفة كلها علم الأخلاق الصحيح الذي هو آخر مراتب الحكمة, والذي هو عبارة عن الحياة على وفاق مع نظام العالم وإخضاع إرادتنا لنظام الأشياء.

جـ- ارتاع ديكارت لما شاهد من عقم الفلسفة المدرسية وبعدها عن الحياة العامة، وأيقن أن الفلسفة يجب أن يكون لها غرض عملي، يجب أن يفيد منها


١ المبادئ, المقدمة "طبع ليار ص٢٠, ٢١".

<<  <   >  >>