للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جميعا؛ وأن المعرفة التي يتوسل بها إلى هاتيك الغايات لا بد أن تكون مستنبطة من العلل الأولى بحيث يكون من الضروري لاكتسابها "وهو ما يسمى على التحقيق تفلسفا" أن نبدأ بالفحص عن هاتيك العلل الأولى، أي: بالفحص عن "المبادئ"؛ وأن هاتيك المبادئ لا بد أن يتوافر فيها شرطان: أحدهما: أن يكون من الوضوح والبداهة بحيث لا يستطيع الذهن الإنساني أن يرتاب في حقيقتها متى أمعن النظر فيها, والثاني: أن تعتمد عليها معرفة الأشياء الأخرى، بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء الأخرى، بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء بدونها، ويلزم بعد هذا أن نسعى إلى أن نعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء بدونها، ويلزم بعد هذا أن نسعى إلى أن نستنبط من تلك المبادئ معرفة الأشياء المعتمدة عليها بحيث لا يكون في سلسلة الاستنباطات شيء إلا وهو بين كل البيان، والله وحده هو حقا الموجود الذي هو حكيم إطلاقا، أي: المحيط علنه بحقائق الأشياء جميعا. لكنا نستطيع أن نقول: إن مراتب الناس من الحكمة متفاوتة بمقدار تفاوتهم في معرفة أهم الحقائق، وأنا واثق أنه لا شيء مما قد قلته الآن إلا ويقره جميع العلماء.

وكنت أبغي بعد ذلك أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة, وأن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين، وأن حضارة الأمة وثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها؛ ولذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. وكنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها وأن يشغل

<<  <   >  >>