للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البسيطة كمسائل الرياضيات١. ثم إذا اكتسب عادة الاهتداء إلى الحقيقة في هذه المسائل، وجب أن يبدأ في جد بالإقبال على الفلسفة الحقة٢، التي جزؤها الأول هو الميتافيزيقا التي تحتوي على مبادئ المعرفة, ومن بينها تفسير أهم صفات الله, ولامادية النفوس، وجميع المعاني الواضحة البسيطة المودعة فينا٣.

والثاني هو الفيزيقا، ويبحث فيها على العموم، بعد أن يكون المرء قد وجد المبادئ الحقة للأشياء المادية، عن ماهية الكون كله، وعلى الخصوص عن طبيعة هذه الأرض وطبيعة جميع الأجسام التي توجد حولها، مثل: الهواء والماء والنار والمغناطيس والمعادن الأخرى, وبعد ذلك يحتاج أيضا إلى أن يفحص على الخصوص عن طبيعة النبات وطبيعة الحيوان وخصوصا طبيعة الإنسان؛ لكي يستطيع المرء بعد ذلك أن يجد العلوم الأخرى التي فيها منفعة له٤. فالفلسفة بأسرها أشبه بشجرة جذورها الميتافيزيقا، وجذعها الفيزيقا, والفروع التي تخرج من هذا الجذع هي كل العلوم الأخرى التي تنتهي إلى ثلاثة علوم رئيسية, هي: الطب والميكانيكا والأخلاق، وأعني الأرفع والأكمل التي لما كانت تفترض معرفة تامة بالعلوم الأخرى، فقد بلغت المرتبة الأخيرة من مراتب الحكمة٥.


١ قابل ديكارت في هذه الفقرة بين منهجه وبين منطق القدماء؛ فمنطق هؤلاء يشتمل على معانٍ معطاة لا ضابط له على مسوغات الاطمئنان إليها، وهو يحللها ويفصل بعضها عن بعض ويستخرج منها كل ما تحتوي عليه. إذن فهو لا يعدو أن يكون وسيلة للعرض والبسط، فإذا كانت مقدماته صحيحة كانت النتائج التي ينتهي إليها صحيحة، وإذا كانت مقدماته فاسدة كانت نتائجه فاسدة, أما المنهج فخلاف ذلك؛ إنه يعلم المرء توجيه عقله للكشف عن الحقائق التي يجهلها.
٢ المنهج الديكارتي شامل، ينطبق أيضا على جميع أجزاء العلم، والمسالك التي يتخذها لتوجيه الذهن نحو الحقيقة هي بعينها دائما. ومع ذلك فمن حيث إنه جاء من الرياضيات, فتطبيقه على الرياضيات أيسر سبيل للتدرب عليه.
٣ هذا هو النظام الذي اتبعه ديكارت في القسم الأول من كتاب "مبادئ الفلسفة".
٤ المنهج الديكارتي يذهب من البسيط إلى المركب، ومن العام إلى الخاص.
٥ يرى ديكارت أن الفلسفة واحدة: الميتافيزيقا تزودنا بالمبادئ الأولى للأشياء، والفيزيقا تطبقها على تفسير الظواهر في العالم الخارجي، ومن الفيزيقا اشتق علمان لهما صيغة علمية أو فنان =

<<  <   >  >>