مؤلفاتي إلا ويستطيعون أن يفهموه إذا بذلوا جهدهم في بحثه، ومع ذلك فأود كذلك أن أحذر الآخرين بأن أصحاب الأذهان الممتازة أنفسهم محتاجون إلى كثير من الوقت, والانتباه لكي يلحظوا جميع الأشياء التي قصدت تضمينها في كتابي.
ثم لكي أعين القارئ على جودة التصور لقصدي من نشر "المبادئ" أود هنا أن أشرح الترتيب الذي يبدو لي أن من الواجب اتباعه للاستزادة من المعرفة. فأقول أولا: إن الإنسان الذي لا يملك بعد إلا المعرفة العامية الناقصة التي يمكن تحصيلها بالوسائل الأربع التي شرحتها فيما تقدم، يجب قبل كل شيء أن يسعى إلى أن يؤلف لنفسه مذهبا أخلاقيا يكفي لتنظيم أعماله في الحياة؛ لأن هذا الامر لا يحتمل إرجاء، ولأننا ينبغي على الخصوص أن نسعى إلى الحياة الصحيحة١ وبعد ذلك ينبغي أيضا أن يدرس المنطق ولا أقصد منطق المدرسيين؛ لأنه على التدقيق ليس إلا جدلا يعلم الوسائل لإفهام غيرنا الأشياء التي نعلمها، أو للإدلاء دون حكم بأقوال كثيرة من الأشياء التي لا نعرفها، فهو بذلك يفسد الحكم السليم دون أن ينميه، بل أقصد المنطق الذي يعلم المرء توجيه عقله لاكتشاف الحقائق التي يجهلها. ولما كان كثير الاعتماد على الاستعمال، فيجمل أن يتدرب المرء زمانا طويلا على ممارسة قواعده المتصلة بالمسائل السهلة
١ بين ديكارت في كتاب "المقال في المنهج" أنه قبل أن يضع معارفه موضع الشك قد ألف لنفسه أخلاقا مؤقتة: "وأخيرا لما كان لا يكفي قبل البدء في تجديد المسكن الذي نقيم فيه أن نهدمه، وأن نحصل مواد العمارة والمعماريين أو أن نعمل بأنفسنا في العمارة، وأن نكون عدا ذلك قد وضعنا له الرسم بعناية، بل يجب كذلك أن يكون لنا مسكن آخر نستطيع أن نأوي إليه في راحة أثناء العمل في ذلك المسكن. وكذلك لكي لا أظل مترددا في أعمالي حينما يجبرني العقل على ذلك في أحكامي، ولكي لا أحرم نفسي منذ الآن من أسعد حياة أقدر عليها، فإنني وضعت لنفسي قواعد للأخلاق مؤقتة". "القسم الثالث, الترجمة العربية, القاهرة سنة ١٩٣٠، ص٧٣".