للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وما من دليل على فساد مبادئ أرسطو أقوى من أن نقول بأن الناس قد اتبعوها منذ قرون عديدة, دون أن يحرزوا أي تقدم عن طريقها١.

وأنا أعلم جيدا أن من الناس من يتعجلون تعجيلا شديدا في أحكامهم، ويقصرون عن اتخاذ أسباب الحيطة والتبصر في أعمالهم، فلا يستطيعون -وإن ملكوا أسسا متينة- أن يبنوا بناء قويما. ولما كان هؤلاء في العادة أسرع الناس إلى تأليف الكتب, فإنهم يستطيعون في وقت قصير أن يفسدوا كل ما صنعت، وأن يدخلوا الاضطراب والشك في طريقتي في التفلسف، مع أنني حرصت على أن أبعدها عنهما، إذا تلقى الناس مؤلفاتهم فحسبوها مؤلفاتي أو أنها مليئة بآرائي. ولقد رأيت منذ عهد قريب هذه التجربة في واحد ممن كان أكبر الظن فيه أنه حريص على أن يكون من أنصاري٢، بل إنه رجل قلت عنه في بعض ما كتبت: إنني مطمئن إلى فهمه اطمئنانا يجعلني أعتقد أنه لا يمكن أن يدلي برأي إلا ويحلو لي أن أتبناه, فقد نشر في العام الماضي كتابا عنوانه "أسس الفيزيقا" يبدو أنه لم يكتب فيه شيئا عن الفيزيقا والطب إلا وقد اقتبسه من مؤلفاتي! إما من المؤلفات التي نشرتها أو من مؤلفات آخر ناقص عن طبيعة الحيوان وقع بين يديه. بيد أنه حرف مواضع القول وغير ترتيب التفكير، وأنكر بعض حقائق الميتافيزيقا التي يلزم أن تستند إليها الفيزيقا كلها٣، ولذلك أراني مضطرا إلى أن أبرأ منه براءة تامة, وأن أرجو القراء ههنا أن لا ينسبوا إلي


١ يلاحظ أن المعيار الذي اتخذه ديكارت هنا هو نفس المعيار الذي سيتخذه "البراجماتيون" في عصرنا, وهو أن مقياس الحقيقة في فكرة من الأفكار هو مبلغ ما فيها من خصوبة, وما يترتب عليها من آثار.
٢ هو هنري لورا Henry Leroy.
٣ مهما تختلف الآراء في الصلة بين الميتافيزيقا والفيزيقا عند ديكارت, فمن الواضح أن نيته الأخيرة وهي تلك التي تنجلي صراحة في كتاب "المبادئ" هي أن يربط الفيزيقا كلها بالميتافيزيقا.

<<  <   >  >>