للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بيد أنه لكي يستطيع الجمهور أن يرى مبلغ ما قدمت له من قبل من خدمات، سأقول ههنا: ما هي الثمرات التي أظن أن في الإمكان استخلاصها من مبادئ؟ الأولى هي الرضا الذي يناله المرء حين يجد فيها حقائق كثيرة كانت مجهولة من قبل؛ فلئن تكن الحقيقة في أكثر الأحيان أقل إثارة لخيالنا من الأكاذيب والأوهام, بالنظر إلى أنها تبدو أقبل بهاء وأكثر بساطة، فإن الرضا الذي تعطيه أبقى وأمتن. والثمرة الثانية هي أن المرء بدراسته هذه المبادئ يتدرج على إجازة الحكم على جميع الأشياء التي تعرض له، فيكتسب بذلك عادات الحكماء، ومن هذا الوجه ستكون لمبادئي نتيجة مختلفة كل الاختلاف عن نتيجة الفلسفة الشائعة؛ لأن من الميسور أن نلاحظ فيمن يسميهم الناس متحذلقين بأنها تجعلهم أقل قدرة على التعقل بما لو كانوا يجهلونها. والثمرة الثالثة أن الحقائق التي تتضمنها لما كانت واضحة جدا, ويقينية جدا فإنها تبعد كل مثار للنزاع، فتهيئ النفوس للوداعة والوئام، وبخلاف ذلك مجادلات المدرسيين، فإنها إذ تجعل من حفظوها -دون شعور منهم- أشد لجاجة وعنادا، ربما كانت العلة الأولى فيما يشتجر الآن بين الناس من شقاق خصام. والثمرة الأخيرة الكبرى لهذه المبادئ أن في الإمكان لمن يرعاها أن يتكشف حقائق كثيرة لم أفسرها. فإذا انتقل المرء شيئا فشيئا من بعض هذه الحقائق إلى بعضها الآخر, استطاع أن يحصل مع الأيام معرفة كاملة بالفلسفة كلها، وأن يرقى إلى أعلى درجة من درجات الحكمة.

والأمر ههنا كما نرى في جميع الفنون: فإنها وإن تكن في البداية شاقة وناقصة، إلا أنها من حيث اشتمالها على شيء من الحق تؤيد التجربة نتيجته, فهي تكمل شيئا فشيئا بالاستعمال، كذلك حين يملك المرء مبادئ حقيقية في الفلسفة واتبعها لم يمكن أن يخلو من أن يجد في بعض الأحيان حقائق أخرى.

<<  <   >  >>