للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أقصد من الكلام على الرؤية أو المشي عمل عيني أو ساقي، لا يكون استنتاجي استنتاجا يقينيا ينتفي معه كل شك. فقد أظن أني أرى أو أمشي دون أن أفتح عيني أو أبرح مكاني، كما يحدث لي أحيانا وأنا نائم، بل ربما يقع لي هذا الظن نفسه لو لم يكن لي جسم على الإطلاق. ولكن حين أريد أن أتحدث فقط عن عمل فكري أو وجداني, أي: عن المعرفة التي أجدها في نفسي, والتي تخيل لي أني أرى أو أمشي، تكون هذه النتيجة صحيحة لا أستطيع أن أشك فيها؛ لأنها ترجع إلى النفس، التي لها وحدها ملكة الوعي أو التفكير على أي نحو آخر١.

١٠- في أن من المعاني ما تكون واضحة كل الوضوح بذاتها، وتصير غامضة متى أريد تعريفها على طريقة المدرسيين, وأنها لا تكتسب بالدرس بل تولد معنا:

لا أفسر هنا ألفاظا أخرى كثيرة قد استعملتها من قبل وسوف أستعملها من بعد؛ لأني لا أظن أن ممن يقرءون كتاباتي من بلغ به الغباء درجة تحول بينه وبين أن يفهم من نفسه معنى هذه الألفاظ. ثم إني لاحظت أن الفلاسفة أرادوا أن يفسروا, وفقا لقواعد منطقهم، أشياء هي في ذاتها جلية واضحة، فلم يستطيعوا إلا أن يجعلوها أشد غموضا. وأنا حين قلت: إن هذه القضية: "أفكر, وإذن فأنا موجود" هي أول وأوثق قضية تعرض لمن يتفلسف على نهج مرتب، لم أنكر أنه يلزمنا أن نعرف أولا: ما هو الفكر؟ وما هو اليقين؟ وما هو الوجود؟ وأنه لكي نفكر يجب أن نكون موجودين وما شبه ذلك، لكن لما كانت هذه معاني


١ يقصد ديكارت بالفكر كل ما يقع في "الوعي" أو "الوجدان" فالتعقل والإرادة والتخيل والشعور كلها وجوه مختلفة للفكر. وهو يقول في التأمل الثاني: "وما الشيء المفكر؟ إنه شيء يشك ويفهم ويتصور ويثبت وينفي ويريد ولا يريد ويتخيل ويحس أيضا" "ترجمتنا للتأملات ص٦٧". والفكر هو نقطة البداية وقد نخطئ فيما هو موضوع فكرنا، ولكن هذا لا ينال حقيقة فكرنا، فسواء كان فكرنا خاطئا أو صحيحا فهو ماثل فينا.

<<  <   >  >>