لفكرنا، أعني بذلك: أننا -نحن الذين نفكر فيها- موجودون حتى ولو كانت هذه الأشياء باطلة أو لم يكن لها وجود على الإطلاق.
١٢- لِمَ كان الناس جميعا لا يعرفون النفس على هذا النحو؟:
إن من لم يسلكوا سبيل التفلسف المرتب قد أدلوا بآراء أخرى في هذا الموضوع؛ لأنهم يبذلون القدر اللازم من العناية للتمييز بين النفس أو الجوهر المفكر, وبين الجسم أو الجوهر الممتد طولا وعرضا وعمقا. إنهم لم يجدوا غضاضة في الاعتقاد بأنهم هم أنفسهم موجودون، وأن وثوقهم من هذا الوجود أشد من وثوقهم من أي شيء آخر. لكنهم لم يلتفتوا إلى أننا ما دمنا بسبيل اليقين الميتافيزيقي قد كان يتعين عليهم حين استعملوا لفظ "أنفسهم" أن يفهموا منه ههنا فكرهم أو روحهم فقط، ومن حيث إنهم قد آثروا الظن بأن المقصود هو أجسامهم التي يرونها بعيونهم ويلمسونها بأيديهم، وينسبون إليها خطأ ملكة الحس، فقد ترتب على ذلك أنهم لم يعرفوا طبيعة النفس معرفة متميزة.
١٣- على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله, فلن يستطيع أن يعرف شيئا آخر معرفة يقينية؟:
ولكن الفكر، الذي يعرف ذاته على هذا النحو, وإن يكن بعد مقيما على شكله في الأشياء الأخرى، إذا استبصر فيما حوله بغية المضي في توسيع نطاق معارفه, يجد في ذاته أولا أفكارا "أو صورا ذهنية لأشياء عديدة؛ فإذا اقتصر عمله على تأملها دون أن يثبت, أو أن ينفي وجود شيء في الخارج يطابق هذه الأفكار, كان في مأمن من خطر الوقوع في الضلال, والفكر يهدي أيضا إلى بعض المعاني المشتركة، فيؤلف منها براهين يبلغ من قوة إقناعها أنه لا يستطيع الشك في