للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن حيث إن الفكر يرى أنه من الضروري أن يكون متضمنا في الفكرة التي لديه عن المثلث أن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين, فهو راسخ الاقتناع بأن للمثلث الزوايا الثلاث المساوية لقائمتين، كذلك متى تصور الوجود الضروري الأبدي متضمنا في فكرته عن الوجود الكامل إطلاقا، لزم أن يستنتج أن هذا الموجود الكامل بإطلاق موجود حقا.

١٥- في أن ضرورة الوجود ليست متضمنة في فكرتنا عن الأشياء الأخرى، بل إن كان الوجود فحسب.

ويستطيع الفكر أن يزداد وثوقا من صحة هذه النتيجة إذا انتبه, لا يجد في ذاته فكرة شيء آخر يتبين فيها وجودا ضرورته على هذا النحو من الإطلاق, وهو يتحقق من ذلك أن فكرة موجود كامل وهما من نسيج الخيال, بل أودعتها فيه طبيعة ثابتة حقيقة موجودة بالضرورة؛ لأنها لا تتصور إلا مصاحبة لوجود ضروري١.


١ يقول ديكارت, القسم الرابع من "المقال في المنهج" ما نصه: "أردت بعد ذلك أن أبحث عن حقائق أخرى, ولما كنت قد اخترت موضوع أصحاب الهندسة الذي كنت أتصوره جسما متصلا أو فضاء لامحدودا طولا وعرضا, وارتفاعا وعمقا, وقابلا للانقسام إلى أجزاء مختلفة يمكن أن تتخذ أصحاب الهندسة يفترضون ذلك كله في موضوع علمهم, فقد تصفحت من براهينهم ما يرونه أبسطها, ولما تنبهت إلى أن هذا اليقين العظيم الذي ينسبه الناس إليها إنما يستند إلى أننا نتصورها تصورا بديهيا وفقا للقاعدة التي ذكرتها من وقت قريب، فقد تنبهت كذلك إلى أنه لا شيء فيها يجعلني مستوثقا من موضوعها؛ لأني تبينت مثلا أني إذا افترضت مثلثا لزم أن تكون زواياه الثلاث مساوية لقائمتين، ولكن هذا لم يكن من شأنه أن يجعلني مستوثقا من وجود أي مثلث في العالم. هذا في حين أني عندما عدت إلى النظر في الفكرة التي في نفسي عن موجود كامل، وجدت أن الوجود منطوٍ فيها على نحو ما قد انطوى في فكرة المثلث أن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين أو في فكرة الدائرة أن جميع أجزائها على أبعاد متساوية من مركزها.
ويلزم عن ذلك أن الموجود "وهو الموجود الكامل" هو على الأقل مساوٍ في اليقين لما تستطيع أن تبتغيه براهين الهندسة. "ينظر أيضا ما قاله ديكارت عن هذا الموضوع في التأمل الخامس".

<<  <   >  >>