للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١٦- في أن الأوهام تمنع الكثيرين من أن يتبينوا ما يتميز الله به من ضرورة الوجود:

والنفس أو الفكر لا يجد عناء في الاقتناع بهذه الحقيقة لو أنه تحرر من أوهامه. لكن لما كنا قد ألفنا أن نفرق في جميع الأشياء الأخرى بين الماهية والوجود١, وكنا قادرين على أن نتخيل ما طاب لنا من صور ذهنية لأشياء ربما لم توجد قط, وربما لا توجد أبدا، فقد يحدث لنا، حين لا نسمو بأذهاننا كما ينبغي إلى تأمل ذلك الموجود الكامل بإطلاق, أن يساورنا الشك في أن تكون فكرتنا عن الله من قبيل تلك الأفكار التي نتخيلها كما يحلو لنا، أو من تلك الأفكار الممكنة، وإن لم يكن الوجود داخلا بالضرورة في طبيعتها.

١٧- في أنه بقدر ما تتصور من الكمال في شيء، ينبغي أن نعتقد أن علته لا بد أن تكون أوفر منه كمالا ٢

أضف إلى ذلك أن التأمل في مختلف الأفكار القائمة فينا يعيننا على أن ندرك أن ليس بينها اختلاف كبير, من حيث إننا إنما نعتبرها توابع لنفوسنا أو لفكرنا، ولكن الاختلاف بينها كبير من حيث إن الواحدة منها تمثل شيئا والأخرى شيئا آخر، وهو يعيننا كذلك على أن ندرك أن علة الأفكار لا بد أن تكون أوفر حظا من الكمال، بقدر ما يكون الكمال فيما تمثل من موضوعها. وحالنا هنا


١ "الماهية" عند ديكارت هي "الشيء على نحو ما يكون في الذهن" و"الوجود" هو "الشيء من حيث هو موجود خارج الذهن" "ديكارت "رسائل"". ويريد ديكارت هنا أن يقرر التفرقة بين الله وبين أي موجود آخر, ففي أي موضوع آخر يلزم التفرقة بين ماهيته، أي: الفكرة التي تكون في أذهاننا عنه، وبين وحوده، أي: كون هذه الفكرة تحققه في الخارج. أما في الله، فالماهية والوجود متطابقان لا يمكن الفصل بينهما, إذ إن نفس تصورنا لله، من حيث إنه تصور لموجود كامل، متضمن للوجود.
٢ يشير ديكارت ههنا إلى مبدأ كان شائعا لدى المدرسيين، وهو أنه ينبغي أن يكون في العلة من الوجود قدر ما في المعلول على الأقل.

<<  <   >  >>