إما على أنها أشياء أو لواحق لأشياء، بل تنسب إليها كذلك الألوان والروائح وسائر أشباهها من أفكار أدركتها في حينها. ولما كانت تغشاها غاشية الجسم ولا تنظر إلى الأشياء الأخرى إلا من حيث منفعتها له, فقد تفاوت تقديرها لوجود الحقائق في الموضوعات تبعا للتفاوت في قوة ما تحدثه فيها من انطباعات؛ ومن ثم اعتقدت بأن للحجر أو المعادن نصيبا من الجوهرية أو الجسمانية أوفر من نصيب الهواء أو الماء؛ لأنها أحست في الحجر والمعادن زيادة في الصلابة والثقل, ولم تكن ترى في الهواء ما يزيد على العدم إذا لم يتحرك بالريح أو لم يبد لها حارا أو باردا. ولما كانت النجوم لا تجعلها تحس من الضوء أكثر مما يكون من الشمعة المضيئة، فإنها لم تتصور أن كل نجمة أكبر من الشعلة التي تبدو في طرف الشمعة المحترقة. ولما كانت النفس لم تدرك بعد أن الأرض يمكن أن تدور حول محورها وأن سطحها منحنٍ كسطح الكرة فقد حكمت أول الأمر بأنها ثابتة وأن سطحها منبسط. وقد وصلنا من هذا الطريق إلى آلاف أخرى من الأحكام المبتسرة, وجعلناها معتقدات لنا حتى حين أصبحنا قادرين على استعمال عقولنا. وبدلا من أن نسلم بأن هذه الأحكام قد انعقدت في أذهاننا حين كنا عاجزين عن الإصابة في الحكم، وأنها تبعا لذلك يمكن أن تكون أدنى إلى الزيف منها إلى الحق، تلقيناها على أنها يقينية وكأننا عرفناها معرفة متميزة عن طريق حواسنا، كما أننا بعدنا عن الشك فيها بعدنا عن الشك في المعاني الشائعة.
٧٢- في أن العلة الثانية لأخطائنا هي أننا لا نستطيع نسيان هذه الأحكام المبتسرة:
فإذا بلغنا أخيرا مرحلة نستعمل فيها عقولنا استعمالا تاما وحاولت نفوسنا، بعد أن زال عنها خضوعها للبدن، أن تحكم على الأشياء حكما سديدا, وأن تعرف حقائقها معتبرة في ذاتها، فإننا على الرغم من ملاحظتنا أن الأحكام