التي أطلقناها في طفولتنا مملوءة بالخطأ، فإننا مع ذلك نجد بعض المشقة في التخلص منها تخلصا تاما، ولكن مما لا ريب فيه أننا إذا لم نتخلص منها ولم نعدها باطلة ومزعزعة, فإننا نكون على الدوام في خطر الوقوع في أحكام فاسدة.
وهذا صحيح إلى حد كبير: نجد مثلا أننا لا نستطيع التخلص من تخيلنا النجوم صغيرة جدا، بسبب ما ألفناه من تخيل لها إبان طفولتنا، مع أننا نعرف بأدلة علم الفلك أنها كبيرة جدا، فما أعظم ما للفكرة الأولى من سلطان علينا!
٧٣- في أن العلة الثالثة هي أن ذهننا يعتريه التعب من إطالة الانتباه إلى جميع الأشياء التي نحكم عليها:
وأيضا لما كانت نفوسنا لا تستطيع أن تطيل النظر إلى شيء واحد بانتباه دون أن يعتريها التعب والألم، فإنه ما من شيء يشق عليها أكثر مما تشق عليها الأشياء العقلية المحضة التي لا تكون حاضرة أمام الحواس ولا أمام الخيال، إما لأنها قد خلقت على هذا النحو بطبيعتها بسبب اتحادها بالبدن, وإما لأننا في السنوات الأولى من حياتنا قد رسخت فينا عادة الإحساس والتخيل رسوخا يسر لنا أن نفكر على ذلك النحو؛ ومن ثم وجدنا كثيرين من الناس لا يستطيعون الاعتقاد بوجود جواهر ما لم تكن متخيلة أو جسمانية بل محسوسة. ذلك أن الإنسان لا يلتفت عادة إلى أن الأشياء التي هي عبارة عن امتداد وحركة وشكل هي وحدها التي يمكن تخيلها, وأن هنالك أشياء أخرى كثيرة متعقلة، ومن هنا أيضا كان أغلب الناس مقتنعين بأنه لا تقوم لشيء بدون جسم وأنه لا يوجد جسم لا يكون محسوسا. ومن حيث إن حواسنا ليست هي التي تكشف لنا طبيعة أي شيء, بل عقلنا وحده عند إعماله في الأشياء المحسوسة, فلا غرابة في أن معظم الناس لا يدركون الأشياء إلا مشوشة تشويشا شديدا؛ نظرا لأن قليلين منهم يعرفون السبيل إلى قيادة العقل قيادة صحيحة.