نستطيع أن نبحث عن حقيقة الأشياء الأخرى جميعا نظرا إلى أنه هو عليها. وبالإضافة إلى المعاني التي لدينا عن الله وعن فكرنا، نجد أيضا في أنفسنا معرفة بقضايا كثيرة هي صحيحة على الدوام، مثل القضية التي تذهب إلى أن العدم لا يمكن أن يكون علة لأي شيء ... إلخ. وسنكتشف أيضا فكرة طبيعية جسمانية أو ممتدة يمكن أن تتحرك وأن تنقسم ... إلخ, ونجد أحاسيس تؤثر فينا مثل الألم والألوان ... إلخ. فإذا قارنا بين ما تعلمناه حين فحصنا عن هذه الأشياء بترتيب وبين أفكارنا عنها قبل أن نقوم بذلك الفحص اكتسبنا عادة تحصيل تصورات واضحة ومتميزة عن كل ما نحن قادرون على معرفته. ويبدو لي أن هذه القواعد القليلة تشتمل على أعم مبادئ المعرفة الإنسانية وأهمها.
٧٦- في أننا ينبغي أن نفضل الأحكام الإلهية على استدلالاتنا, ولكن فيما عدا الأشياء المنزلة ينبغي أن لا نعتقد شيئا لم ندركه إدراكا واضحا جدا:
ينبغي قبل كل شيء أن نستمسك بقاعدة تعصمنا من الزلل، وهي أن ما أنزله الله هو اليقين الذي لا يعدله يقين أي شيء آخر. فإذا بدا أن ومضة من ومضات العقل تشير إلينا بشيء يخالف ذلك, وجب أن نخضع حكمنا لما يجيء من عند الله. أما الحقائق التي لم يرد عنها شيء في التنزيل فليس مما يتفق مع طبع الفيلسوف أن يسلم بصحة شيء لم يتحقق منه، ولا أن يركن إلى الثقة بالحواس، أي: أن يكون اطمئنانه إلى ما تلقاه في طفولته من أحكام هو جاء أكثر من اطمئنانه لما يقتضي به العقل الناضج.