للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معيارا عمليا للتحقق من صدق أية فكرة, يتجلى في قياس مدى قدرتها على إثبات نفسها. بذلك يصير المعيار هو المنفعة وليس حكم العقل أي: تكون المنفعة هي المحكّ الوحيد لصدق الأحكام العقلية وصواب الأفكار.

من جهة أخرى، تذهب البراجماتية إلى أن الحكم العقلي يكون صادقا متى تحقق الإنسان من صدقه بالتجربة، وبدون هذا التحقق لا يوصف الحكم بالصدق أو بالكذب. بذلك يصير الحق من وجهة نظر هذه المدرسة هو "التحقق" من منفعة الفكرة بالتجربة.

إن الحق عند تشارلس بيرس مثلا يقاس بمعيار العمل المنتج, وليس بمنطق العقل المجرد, وما الفكرة إلا خطة للعمل وليست حقيقة في ذاتها كما ذهب أتباع المذهب العقلي. والفكرة التي لا تنتهي إلى سلوك عملي في الحياة الواقعية هي فكرة باطلة, أو غير ذات معنى يعول عليه, أي: إن الفكرة هي ما تنتهي إليه من نتائج وآثار. ثم يضرب لذلك مثلا فيقول: إننا نجهل حقيقة الكهرباء ولكننا نعرف ما تحققه لنا من منافع. فمعنى الكهرباء يقوم في الآثار التي تتخلف عنها في حياتنا اليومية, ولا عبرة بمعرفتنا العقلية لها.

بالمثل، اعتبر بيرس أن الاعتقاد هو من نوع الأفكار. فالاعتقاد أو الدين حق متى دل على سلوك عملي, وإلا كان خلوا من كل دلالة. وانتهى إلى ضرورة تطبيق مناهج البحث العلمي على الفلسفة بحيث يتوقف التسليم بفكرة ما على ما يترتب عليها من سلوك عملي. لهذا تطلع إلى إنشاء ما أسماه بمجتمع معملي يقوم على نفس المنهج الذي يستخدمه العالم في معمله حتى يتيسر التوصل إلى الصواب أو الحق الذي لا يمارى.

إلا أن الفلسفة البراجماتية ارتبطت أكثر باسم ويليام جيمس الذي اعتبر أن المنهج البراجماتي هو أولا وقبل كل شيء منهج لحل الخلافات الميتافيزيقية التي لولاه لظلت قائمة بلا حل. ثم يتساءل جيمس: هل العالم واحدي أو متكثر؟ مسير أم حر؟ مادي أم روحي؟ ويلاحظ أن الخلافات حول تلك الأفكار هي

<<  <   >  >>