للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا النقد الذي توجهه الماركسية للفلسفة الوجودية نجد له ما يبرره, إذا استعرضنا الفقرة التالية من كتاب الوجود والعدم لسارتر حيث يقول:

"ما هي أهمية الفعل؟ إذا كان الإنسان يتصرف ويلتزم دون أن يراوده أدنى خداع عن الغايات التي يضعها لنفسه. "وروح الجد" هي التي تؤدي إلى اليأس؛ لأنها تنتهي دائما بأن تفرض علينا فكرة أن كل أوجه النشاط التي يبديها الإنسان باطلة وفاشلة على حد سواء. وهكذا لا يوجد أي فرق بين أن يتعاطى المرء المسكرات في خلوته، وبين قيادة الجماهير. والواقع أنه لو أمكن أن يكون لضرب من ضروب السلوك هذه أفضلية على غيره فليس ذلك أبدا بسبب غايته ... وإنما هو بسبب درجة الشعور الذي يملكه لحده الذي يتصوره, وفي هذه الحالة يمكن أن تتفوق حالة الهدوء التي يعيش فيها السكير المتوحد على حالة الانفعال غير المجدية التي يحياها الزعيم الشعبي"١.

لكن, لماذا تتبنى الوجودية هذا المفهوم الغريب للحرية، وتسودها أوهام التحرر من الواقع ومن العقل؟ ولماذا الاستغراق في مشاعر لاعقلية مثل: اليأس والخوف والضجر والقلق والغثيان والندم؟

تتهم الماركسية الفلسفة الوجودية بأنها مثالية ليس فقط لانغماسها في الذاتية ورفضها الاعتراف بإمكانية معرفة الوجود ومعرفة الحقيقة الموضوعية، وإنما تتهمها بالمثالية أيضا؛ لأنها تهرب من الحقيقة إلى "سرداب الشعور الذي يخيم عليه ظلام اللامعقول". وقد بلغ اتجاه الهروب ذلك إلى منتهاه في فكرة الانتحار عند ألبير كامي التي أشرنا إليها أعلاه.

إن الوجودية في نظر الماركسية تمثل مرحلة انحدار المجتمع البرجوازي إلى قبره فلسفة ومنهجا وأسلوب الحياة. وفي دوامة التناقضات والأزمات الحادة


١ جان بول سارتر، الوجود والعدم، ص٧٢١، ٧٢٢ أورد النص ريجيس جوليفيه، المذاهب الوجودية، مرجع سابق، ص٢٠٨.

<<  <   >  >>