للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ياسبرز؛ لتحطيمه الثقة بقوى العقل الإنساني, والتفكير المنطقي في فلسفته التي سماها النظرة الفلسفية إلى العالم.

ليس أقل مدعاة للنقد من وجهة النظر الماركسية أن الفلسفة الوجودية تدور حول وجود لا عقلي تعتبره الوجود الحقيقي, وهو عبارة عن جو شعوري غريب تغيب فيه الذات ولكنها لا تفهمه, بل تتجرد فيه من كل ما هو مفهوم.

لهذا تعرض شرح سارتر لمعنى الوجود للنقد حيث ضرب مثلا برجل يجلس في حديقة، ثم يتعلق بصره بوردة فينصرف عن بقية الحديقة، ثم لا يلبث أن يحس تأثير هذه الوردة في نفسه وهو منصرف عن رؤيتها, وبالتدريج يغيب عن كل شيء ويغرق في دوامة اللامعقول فيتساءل: من أنا؟ ولماذا وجدت؟ هنا يكون الرجل قد وصل إلى "وجوده" الحقيقي١.

ذلك الوجود "اللامعقول" تقوم عليه مقولة: إن الوجود سابق على الماهية, بمعنى أن الفرد في رأي الفلسفة الوجودية يجب ألا يتصرف بناء على تحديدات عقلية أو مبادئ؛ لأنه ما دام الوجود الحقيقي هو وجود الشعور الذاتي فلا بد إذًا من رد الأشياء والأفعال إليه.

بعبارة أخرى: إن سلوك الفرد يتم بناء على "الدافع الغريزي" في نفسه هو دون استلهام أية فكرة عقلية. وبعد أن يقوم الفرد بسلوك ما تتحدد القيم من واقع سلوكه, سواء كانت قيما تحض على الأنانية أم على التضحية. فالفعل يسبق الفكرة, بمعنى أن الفرد يمكن أن يكون لصا أو جاسوسا أو قديسا متدينا بشرط ألا تقوم تصرفاته على اقتناع منطقي وإنما على مجرد الانطلاق الذاتي، فاللامعقول هو المنطق الأكبر، أي: إن اللامعقول في نظر الوجودية هو المعنى الحقيقي للحرية؛ لأن الفرد لا يتقيد فيه بأفكار أو مبادئ, وإنما يقوم ببساطة "بالاختيار ثم الانطلاق".


١ المادية الديالكتيكية، مرجع سابق، ص١٤، تعليق إسماعيل المهدوي في: جورج بوليتزير، المادية والمثالية في الفلسفة، مرجع سابق، ص٢١٤، ٢١٦.

<<  <   >  >>