للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مهدي وشرح كيف كان ابن خلدون متأثرا -في خلافه مع الفلسفة التقليدية بشكل عام ومنطق أرسطو بشكل خاص- بكتابات الغزالي وابن تيمية. وعزز الوردي وجهة نظره بالاستشهاد بحجج ابن خلدون ضد تلك الفلسفة والمنطق؛ لإفراطهما في الاعتماد على القياس العقلي الذي يؤدي إلى عدم تطابق استنتاجاتهما مع واقع الحياة. ومن الملامح المميزة أيضا لهذا الاتجاه الرابع مناقشة دور "المادة" في كتابات ابن خلدون. وقد بحث الوردي هذا الموضوع بالتفصيل, وانتقد العلماء المحدثين لإهمالهم له, ثم أورد عدة أمثلة من المقدمة ليدلل على معارضته لمنهج المناطقة القدماء١.

هذه باختصار هي الاتجاهات الأربعة الرئيسية التي ناقشت فكر ومنهج ابن خلدون. ويتضح من بحثنا كيف أن الاتجاهات الثلاثة الأولى قدمت تفسيرات مبتسرة بشكل يجعل من غير المأمون الاعتماد عليها في تكوين فكرة شاملة عن هذا المنهج. أما الاتجاه الرابع فنرى أنه أقربها إلى التحليل السليم, وإن كنا نختلف معه حول مغزى كلمة المادة في المقدمة. ورغم استحالة الحكم بشكل جامد على منهجه بأنه مادي, فإننا نختلف مع الدكتور الوردي حول موقفه من مغزى كلمة المادة, إذ افترض أن مفهوم ابن خلدون لهذا المصطلح يتفق مع مفاهيم الفلاسفة المعاصرين له لنفس المصطلح٢. وإذا درسنا المقدمة ككل ولم نقتصر فقط على الفصول التي تتناول الفلسفة والمنطق, فإننا سنجد أدلة كافية على أن مفهوم ابن خلدون لاصطلاح "المادة" لا يعكس نفس المضامين التي تصورها الفلاسفة المعاصرون له, وهي حقيقة قد تعزى جزئيا إلى أنه لم يقيد نفسه بنفس الموضوعات أو أساليب الاستقراء السائدة قبله. ويكفي أن نذكر باختصار بعض الأمثلة على ذلك, ومنها دراسته التفصيلية العميقة لموضوعات مثل العلاقة المتبادلة بين العمران


١ علي الوردي، منطق ابن خلدون, القاهرة ١٩٦٢، صفحات ٤٣، ٤٨، ٥٥، ٥٦، ٦٦، ٦٩، وما بعدها، ٨٣.
٢ المرجع السابق، صفحات ٦٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>