للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض السمات الأساسية لظاهرة تقسيم العمل, والأسباب الاقتصادية التي تجعلها ظاهرة لا يمكن الاستغناء عنها.

"إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء, وغير موفية له بمادة حياته منه.. فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف. وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه"١.

حقيقة: إن ابن خلدون -بسبب ظروف البيئة التي عاش فيها- لم يكن دقيقا تماما في اعتباره أن القبيلة هي الشكل الأول من أشكال الجماعات البشرية وفاتته الأشكال المتعددة التي سبقت تشكيل القبيلة, ولكنه كان واعيا بمغزى تقسيم العمل كظاهرة متغيرة مرتبطة بالنواحي المادية للحياة الاجتماعية. فهو لم يعتبرها ظاهرة ساكنة بلا حراك, تتحكم فقط في الأشكال المبكرة من التنظيم الاجتماعي البشري, بل لاحظ أيضا تأثير تطور العوامل الاقتصادية على سمات هذه الظاهرة. أي: إنه كلما ارتفع مستوى المعيشة كلما زادت الحاجة إلى تقسيم العمل لمواجهة نمو الطلب, ليس فقط على الضروريات, وإنما أيضا على الكماليات؛ لإشباع التطلعات المتطورة.

"فإذا كثرت الأعمال كثرت قيمها بينهم, فكثرت مكاسبهم ضرورة، ودعتهم أحوال الرفه والغنى إلى الترف وحاجته من التأنق في المساكن والملابس، ...


١ المقدمة, طبعة وافي، صفحات ٢٧٢، ٢٧٣. والجدير بالذكر أنه قبل أن يدرس ابن خلدون هذه الظاهرة في مقدمته التي ألفها في عام ١٣٧٧, وكذلك قبل أن يبحثها آدم سميث في كتابه "ثروة الأمم" عام ١٧٧٦، فإن الفيلسوف الإغريقي أفلاطون سبقهما إلى ذلك بدراسة بعض جوانب ظاهرة تقسيم العمل:
See his dialogue with Adeimantus, "We have different aptitudes, which fit us for different Jobs". The Republic, part two, Section l, Translated by H. D. P. Lee in: The Penguin classics. London ١٩٦٣ "First published in ١٩٥٥".

<<  <   >  >>