قد أهملوه وضيعوه وهجروه هجر القلى وقطعوه وأولعوا بعلوم لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تنقع للظمآن لهاة واكبوا عليها إكباب المقامر على ملهاه. ووقفوا أعمارهم العزيزة على نحو كتب الفلاسفة وكتب القيل والقال. وفضول العلوم التي لا تأتي بطائل ونوال. لا في دين ولا في دنيا أصلا وقطعا. وهم مع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فهم ولا شك من الأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، فلذلك أظلمت منهم القلوب والبصائر. وعميت منهم السرائر. فلا يتنبهون للخطوب التي تحل بهم وإن تنبهوا فقلما تجد فيهم من يفدى نفسه في سبيل دفع ذلك الملم المدلهم. فكل يقول أنا مالي. حسبي مراقبة حالي والدين له رب يحميه. يحوطه ويعليه. وهذه كلمة حق أريد بها باطل أفما قرأ عمره القرآن هذا القائل. فيرى أمر ربه بالدفاع عن دينه وشرعته، وبذل الجهد المستطاع في إعلاء كلمته. نعم قال عبد المطلب البيت له رب يحميه. لما لم يجد عنده من الأسباب الظاهرة ما يقاوم به أبرهة والفيلة ويكفيه. فالتجأ في المعنى إلى ربه. واظهر له عجزه عن ذبه، حتى كان ما كان. أما والإنسان يتمكن من نصر الحق أدنى تمكن ولو بالبيان بالقلم أو اللسان. فلا يسوغ له التأخر عن ذلك كيفما كان. لماذا إذا اهتضم في شيء من حقوقه يسعى أقصى جهده ويبذل غاية وسعه في الحصول على مطلوبه. ويدأب الليل والنهار ويتوسل بكل الوسائل حتى البعيدة المتوهمة للوصول إلى مرغوبه. ما ذاك إلا لنقص وضعف في الإيمان. وانحطاط في الهداية والعرفان. فلا يتألم أدنى تألم إذا أصيب بأكبر شيء في دين الله. ويتألم أشد التألم إذا أصيب بأحقر شيء في دنياه. فهؤلاء هم كما قال القائل لابنه كما أنشده في المدخل: