للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تمهيد: عن الصراع بين الحق والباطل

الصراع بين الحق والباطل قديم قدم البشرية، وسنة من سنن الله في الحياة، ولقد كان العالم قبل الإسلام يموج بدعوات وتيارات فكرية هدامة، ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام وفيه البيان الشافي لكل ما يحتاجه البشر لتحقيق وظيفتهم على الأرض، وهي عبودية الله تعالى، وتحصيل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، فكانت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة من الله للناس لتخليصهم من تلك الجاهليات التي جثت على قلوبهم ولوثت أفكارهم دهراً طويلاً، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ١.

ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه إلا وقد تحول الإسلام بكل ما فيه من عقائد وتعاليم وأخلاق إلى واقع حي، تظهر مظاهره وثماره في الأفكار والقلوب والسلوك، وبعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، رسخ الخلفاء الراشدون هذا الواقع ووسعوا دائرته بالفتوحات الإسلامية، سعياً لتخليص البشر من الجاهليات وما نتج عنها من ظلم وشقاء، وما هي إلا سنوات قليلة حتى دخل كثير من الناس في دين الله أفواجاً فحلَّ الأمن والعدل مكان الخوف والظلم، ونتج عن ذلك أعظم حضارة عرفتها البشرية.

إلا أن الانتصار السريع في المجال العسكري لم يكن نهائياً فقد كان أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين ومن يتعاون معهم من المنافقين وغيرهم، يخططون لجولة ثانية من الحرب اتخذت من الفكر ميداناً لها بعد أن أدرك قادتها قوة تأثير الأفكار على السلوك، وأن الحرب الفكرية هي


١ سورة الأنبياء، الآية ١٠٧.

<<  <   >  >>