للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: "وقد اعتنى الحفاظ بجمع طرق هذا الحديث فذكر من جمعهم من الحفاظ مبتدأ بعلي بن المديني ثم ذكر بعده عدداً من الحفاظ ممن جمع طرق هذا الحديث إلى أن قال: وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص، ونقل النووي١ أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر"٢.

بيان معنى الكذب:

والكذب: خلاف الصدق

قال الصغاني: "تركيب الكذب يدل على خلاف الصدق وتلخيصه أنه لا يبلغ نهاية الكلام في الصدق"٣.

وقال النووي: "الكذب فهو عند المتكلمين من أصحابنا الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمداً كان أو سهواً هذا مذهب أهل السنة". وقالت المعتزلة: "شرطه العمدية"، ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا فإنه قيده صلى الله عليه وسلم بالعمد لكونه قد يكون عمداً وقد يكون سهواً مع أن الإجماع والنصوص المشهورة في الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي والغالط فلو أطلق صلى الله عليه وسلم الكذب لتوهم أنه يأثم الناسي أيضاً فقيده وأما الروايات المطلقة فمحمولة على المقيدة بالعمد٤ والله أعلم.

ومعنى "لا تكذبوا عليَّ" قال الحافظ٥: "هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب. ومعناه - لا تنسبوا الكذب إليَّ، ولا مفهوم لقوله "عليَّ" لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكراهية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة


١ شرح النووي على صحيح مسلم: ١ / ٩٢
٢ انظر ما أشير إليه في هامش٢ وراجع نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ٢٠
٣ عمدة القاري: ٢/ ١٤٦
٤ شرح النووي على صحيح مسلم ١/٩٣
٥ فتح الباري: ١/١٩٩- ٠ ٢٠ وراجع فتح المغيث ١/ ٢٤٤

<<  <   >  >>